رئيس التحرير
عصام كامل

"أبو قير".. زارعو الورد وصانعو السماد


حينما تتعالى صيحات أصدقاء البيئة بأن الصناعة تلوث الأجواء، وتفسد الطبيعة، فلابد من أن تتحسس صحتك، ويرتفع مؤشر الهوس في رأسك، لكن ذلك كله يذوب بفعل رائحة اليود النقي، والتي لا تزاحمها روائح الأمونيا في قلعة مصرية وطنية، تحمل اسم "أبو قير للأسمدة" في الإسكندرية.


أكثر من مليوني زهرة وفسيلة خضراء ما بين زينة ونخيل وأشجار أخرى، هي وثيقة إدارة المصنع للجهات الباحثة عن معايير سلامة البيئة في المنشآت الصناعية، ولم ينكر رئيس شركة أبو قير المهندس سعد أبو المعاطي، أنها زرعت لهدف يتخطى البعد الجمالي، وهو التأكيد على أن صناعة مصر فاقت المواصفات العالمية في صحة البيئة وسلامتها.

قديما، فككت ألمانيا مصانع الأسمنت والسماد، وأهدتها لدول ظن الأوربيون أنها “مزابل بيئية وصناعية”، ومنها مصر، فأعلن المصريون سخطهم على أنفسهم، مرددين حكمة الإمام محمد عبده: إن أوربا مسلمة بلا مسلمين، أي أنه ينقص شعبها الشهادتين، ليدخل الجنة بلا حساب، أما نحن فقد قبلنا الهدايا الخردة، المنقولة لتنفث جحيمها في صدورنا، ونظل نردد لأطفالنا في المدارس: النظافة من الإيمان.

ولأن الشعور الافتراضي، المصاحب لهوس صحة البيئة وسلامتها، كان قد لازم المصريين منذ قصتهم الأولى على ضفاف النيل قبل نحو سبعة آلاف عام، بدليل بئر المياه وغرف التطهر التي يبدأ بها أي معبد في النموذج الواحد للمعابد المصرية القديمة، فإن المصريين الجدد أيضا وضعوا هذه الهواجس نصب أعينهم، إذ لا يصح أن نطهو الطعام، ثم نختنق بالدخان، وهي فلسفة الكيميائيين الجدد، ومنهم: المهندس سعد أبو المعاطي رئيس "أبو قير".

منذ عشرات السنين، تعالت صيحات المصريين من تساقط أعناق النخيل، واحتراق أغصان الشجر في حلوان، مع تحوّل الأخيرة إلى خرابات بفعل الغبار الصناعي الذي تراكم على ثوبها، بعد أن كانت منتجعا “ملكيا” قبل ثورة يوليو 1952، وذلك بفعل مصانع الأسمنت، ثم مصانع السماد، ما دفع المصريين لحذو إجراءات الدول التي ينقص شعبها الشهادتان لدخول الجنة.

لم يكن هناك مفر من أن تبادر شركات مصرية رائدة بفتح المعامل والكتب لقراءة خبرات الأوروبيين، وتبحث بجدية عن المعادلات التي يمكن بها تحقيق التوازن، بين أن تكون صناعيا وصحيا في آن، وهو ما ظهر جليا في نموذج “أبو قير”، إلى جانب بعض الشركات التي أنشئت حديثا وفق قواعد سلامة البيئة، وبالقصد كانت “أبو قير” شريكا فيها ولو بنصيب “الحمل”.

هذا نموذج مصري خالص، يدعو الحكومة المصرية لدراسة تجربته، لتعميمها على باقي مصانع الأسمدة والأسمنت والسيراميك (كثيفة العمالة والطاقة والتلوث أيضا)، لأنه لا مناص من التنازل عن نسبة من الأرباح الخيالية، فتهبط إلى “المعقولة”، لمصالحة البيئة التي كشرت عن أنيابها، وحرقت في سنوات غابرة كثيرا من الأخضر، وعكّرت أجمل المواقع اليابسة على ضفاف مجارينا المائية الخالدة، مثل: نهر النيل في أسوان وحلوان، وساحل المتوسط عند دمياط والإسكندرية.

تجربة مصرية خاصة، لا تستحي وأنت تقرأها بتمعن، ثم وأنت تصورها بعشق، لتكتبها أيضا بإخلاص، دون مخافة “الرجم” بالتربح لمجرد الشهادة فإدارة مصرية خالصة، بتحقيق درجة كبيرة من درجات المصالحة مع الطبيعة.

والنتجية كما تظهر أوراقهم: تحقيق الهدف الوطني بتوريد أكثر من ثلاثة ملايين شيكارة سماد آزوتي لوزارة الزراعة سنويا، بالسعر الذي يدعم الفلاح بنحو ملياري جنيه، مقارنة بسعر الشيكارة نفسها في السوق الحرة، مع تمتع الموظفين بمزايا لا توجد في شركات البترول التي كانت حلما لكل الخريجين المصريين (3200 موظف دائم + 10000 فرصة عمل مؤقتة)، وكل هذا يضاف إلى الأرباح الصافية المحققة في 2013/2014 وبلغت نحو 1.4 مليار جنيه.
إنهم فعلا يزرعون الورد بلا تكلّف، ويصنعون السماد بلا ضجيج.
barghoty@yahoo.com
الجريدة الرسمية