رئيس التحرير
عصام كامل

بالوثائق.. «CIA» تفضح اتفاق «ثلاثى الشيطان».. «أمريكا - إيران - إسرائيل» اتفقوا على تدمير «مصر والسعودية» وتفكيك الجيوش العربية.. وتكشف أسرار مجموعة الأيدى المم


في السياسة لا مكان للنوايا الطيبة ولا مستقبل لأمة تنظر تحت قدميها ولا تلتفت للمؤامرات التي تحاك لها من أعدائها، وفى السياسة أيضًا لا يوجد عدو دائم وتبقى المصلحة هي المتحكمة في علاقات الدول المتناحرة، لذلك ليس غريبا أن تضع إيران يدها في يد الصهاينة والأمريكان في السر وتلعنهم في العلن.. تعقد معهم الصفقات من وراء حجاب وتطالب بمحو إسرائيل من الوجود في الخطابات الرسمية مادام ذلك كله يحقق أطماع الفرس في القضاء على الأمة العربية وبسط نفوذهم في المنطقة.


تفاصيل العلاقة المشبوهة بين الإيرانيين من جانب والصهاينة والأمريكان من جانب آخر تم اكتشافها بالصدفة مطلع العام الجارى حينما وجدت الاستخبارات المركزية الأمريكية نفسها في موقف لا تحسد عليه بعد مطالبة شبكة حرية المعلومات الأمريكية “فويا” بالإفراج عن وثائق الثورة الإيرانية، وحصولها على أمر قضائى ملزم بالاطلاع على تلك الوثائق.

وثائق الثورة الإيرانية كشفت بداية قصة التعاون المشبوه بين عدوين هم من “ألد الأصدقاء” في عالم السياسة اليوم، فطبقًا لما جاء في الوثائق الأمريكية فإن الخومينى عقد عددًا من اللقاءات قبيل توجهه إلى إيران مع نائب المدير العام لجهاز المخابرات الأمريكية “سى آى إيه” جورج بوش شملت الاتفاق على ما عرف باسم “العملية أجاكس” أو الثورة الإسلامية التي كان عليها أن تبدو معادية لكل ما هو غربى وأمريكى تدشينًا لمرحلة جديدة من مراحل الأيديولوجية الأمريكية، وهى فكرة الخطر الأخضر التي بدأت تتبلور مع ذبول قوة الاتحاد السوفييتى وبدء تفكيك أوصاله طبقًا لمخططات الثورات البرتقالية.

جلسات بوش الأب مع الخومينى تناولت الكثير من ملامح عصرنا هذا فإيران التي كانت في عام ١٩٧٩ تبدو بعيدة عن مركز ثقل الشرق الأوسط باتت تتحكم اليوم في مصائر دول عربية وتحدد حكوماتها ومتى تشتعل الأمور بها.

ونصت أوراق “أجاكس” على ضرورة تصدير المد الفكرى الثورى إلى ما وراء حدود إيران في الدول العربية لإنشاء قوتين إحداهما ناعمة من خلال المراجع الشيعية التي تغدق عليها خزانة الجمهورية الإسلامية وتقوية أواصر المصاهرات مع دول الخليج العربى لإنشاء أجيال لديها ميل إيرانى والثانية عن طريق تكوين طوق من حركات التحرر تتبع العصمة الخومينية بشكل مباشر تعمل على وضع الكتل السياسية السنية في المنطقة في مظهر الضعيف كلما سنحت الفرصة، وذلك من خلال الظهور كمدافع أوحد عن القضية العربية والإسلامية لضمان الاحتفاظ بفكر الحشد الشعبوى الذي قامت على أساسه فكرة أجاكس بالمقام الأول، حيث وجهت الــcia الخطة أساسًا ضد قوى الحركة المحورية في المنطقة وهى كل من مصر والمملكة السعودية.

العلاقات المتميزة بين نظام “الملالى” الإيرانى والمخابرات الأمريكية لم تتوقف عند تنصيب العمائم السوداء على سدة الحكم في بلاد فارس بل امتد على مدى العقود ليصير أقوى شيئا فشيئًا مع الأيام، حيث كشف الخطأ الذي وقع فيه تاجر الأسلحة الإسرائيلى نحوم منبار ١٩٨٥ عن إحدى أكبر صفقات التسليح الأمريكية الإسرائيلية لإيران خلال حرب الخليج الأولى مع العراق حيث قص منبار لأحد الصحفيين دوره في توريد الـــ٣٠٠٠ صاروخ أمريكى “توم أهوك” ومعها مئات الدبابات الإسرائيلية إلى إيران عبر طائرة شحن أمريكية وهو الأمر الذي تجنبت كل من حكومة ريجان وفقهاء إيران التعقيب عليه إلا أنه كشف جزءًا من حقيقة سلسلة التعاون التي لم تنقطع إلى يومنا هذا بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل.

العلاقة الثلاثية التي قد تبدو مثيرة للاندهاش بشكل أكبر بدأت مع تكوين ما يعرف باسم مجموعة “اليد الممدودة” وهى تجمع استخباراتى ضم ممثلا عن الموساد الإسرائيلى “أرى بن منشيا” كان أول ممثل للموساد في اللجنة وممثل للاستخبارات المركزية الأمريكية “وليام كيسي” وقتها، وممثل للحكومة الإيرانية “أبو الحسن الصدر” كان أول من لعب هذا الدور، حيث كان ثلاثتهم يضعون مخططًا يحمل اسم “الورقة البيضاء”.. هذا المخطط مرحلى ينفذ كل عامين ويهدف إلى خدمة المصالح المشتركة بين الدول الثلاث في منطقة الشرق الأوسط، تطورت لجنة اليد الممدودة وشملت عناصر أخرى من أجهزة الدول الثلاث، حيث انضم إليها على سبيل المثال ممثل عن الخارجية الأمريكية والأسطول السادس الأمريكى “المتمركز في الخليج العربي” وعضو عن الحرس الثورى الإيرانى وهو بهذه المناسبة “ميليشيا تم تخطيطها وتدريب أول عناصرها عبر منهج عصابات الهجاناه الإسرائيلية وسافر ١٣ خبيرًا إسرائيليًا إلى إيران في ٧٨ لتدريب عناصر هذه الميليشيا طبقًا لأيديولوجياتهم ولا تزال حتى الآن تستخدم قواعد الاشتباك ذاتها والتسليح الإسرائيلى الخفيف، وقد تحدثت عنه وثائق العملية أجاكس بأنه قوة خفيفة يمكنها تطبيق إستراتيجية الحرب غير النظامية في شتى بقاع الشرق الأوسط.

أما في عصرنا الحالى فقد تطورت معدلات أداء هذا التحالف الاستخباراتى ثلاثى الأبعاد فقد نصت عدد من وثائق التعاون الاستخباراتى بين الــcia والمخابرات الإيرانية وهى وثائق تحمل إشعارًا شديد السرية على تفاصيل كثيرة حول دور الحرس الثورى في إسقاط طالبان في أفغانستان - وليس القاعدة - فقد ورد في إحدى المراسلات من مركز عمليات الــcia في كابول بتاريخ مارس ٢٠٠٤ أن فرقًا مع القوات الإيرانية الخاصة بدأت الاشتباك التمهيدى مع عناصر طالبان المتحصنة بجبال تورابورا، حيث طلبت الرسالة من البنتاجون وقف جميع عمليات القصف المدفعى لمناطق الجبال والاستعداد لتقديم الدعم الجوى للقوات الإيرانية متى طلب ذلك.

أيضًا تكشف أوراق أحد الاجتماعات في عام ١٩٩٧ بين الثلاثى “إيران - إسرائيل- الولايات المتحدة” أن الرئيس الإيرانى هاشم رفسنجانى قدم مقترحًا تفصيليًا لكيفية بسط النفوذ الأمريكى في الخليج العربى بصورة أكثر فاعلية من خلال إعادة استدعاء خطر القاعدة مقدمًا تعهدات من النظام الإيرانى بدعم أي عمل عسكري في المنطقة وخاصة ضد النظام العراقى الذي رأى أنه يشكل التهديد الأكبر لمخطط التمدد الأمريكى في الخليج العربي.

وثيقة أخرى تكشف عن الدور الإيرانى في معاونة المخابرات الأمريكية لإسقاط الشرق الأوسط وهو خطاب من مهدى صفرى أحد كبار المسئولين في الحكومة الإيرانية إلى روبرت جيتس، مدير المخابرات المركزية الأمريكية وقتها يقترح عليه خطة لتفتيت الجيش العراقى قبيل غزو العراق بأشهر قليلة.

مستشار الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد نشائى بنفسه له مساهمات في محاضر الاجتماعات “السيبرية” لأعضاء هذه اللجنة عبر الفيديو كونفرانس.. حيث ظهر اسمه في تفريغ المحادثات لأكثر من مرة خاصة حين يتعلق الأمر بالعلاقات “الودية” بين إسرائيل وإيران، حيث تحدث نشائى عن المشاريع العسكرية المشتركة بين البلدين، وخاصة المتعلقة بتطوير استخدام طائرات الدرون “دون طيار” والذي تعمل عليه إسرائيل وإيران.

أما المحادثات النووية الأمريكية الإيرانية فيبدو أنها لصيقة الاتصال بالواقع الاستخباراتى حيث لم يرد ذكرها إلا مرتين أو ثلاث عبر وثائق تناهز العقدين من الاتصالات المتبادلة وكان الحديث حول طلب إيران من الولايات المتحدة مدها بمحولات متطورة والحديث عن تجديد عقود استخراج الطاقة مع شركة رويال داتش شيل العالمية، والتي هي أحد أكبر موردى النفط للولايات المتحدة، علمًا بأن هناك قانونًا أمريكيًا يمنع التعامل مع الشركات التي تتعاون تجاريًا مع إيران وإن كان هناك أكثر من ٤٥ شركة أمريكية تعمل داخل إيران أغلبها في مجالات التسليح والطاقة وهى في مجملها شركات تابعة لأنشطة المخابرات المركزية والبنتاجون.

أما المستقبل والذي لم تتحدث عنه كثيرا وثائق العم سام فتبدو إيران وحلفاؤها في المخابرات المركزية الأمريكية والموساد ضالعة في موجات قادمة من التوترات الداخلية “نظرية التآكل الذاتي” في المملكة العربية السعودية ومصر على الأرجح، حيث تسعى إيران لاستكمال الدور المفقود الذي لم تتمكن الولايات المتحدة من إنهائه كما يجب ضمن خطتها “حدود الدم” لإعادة تقسيم العالم لخدمة مصالحها الإستراتيجية وعليه لم يكن مثيرًا للدهشة التوصل السهل لاتفاق نووى بين إيران والقوى العظمى يتيح لها تخصيب اليورانيوم.

" نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية