رئيس التحرير
عصام كامل

صدر الحكم على إسلام بحيرى


لم نهنأ كثيرًا، ولم نفرح طويلًا بتحرر عقلنا من قيوده، وسرعان ما انقضوا علينا ليعود عقلنا إلى وضع الجنين مرة أخرى.. لقد عشنا عقودًا طويلة في برازخ القبور، وتركنا دنيانا لغيرنا، وكأنها خلقت لشقائنا، علمًا بأنها هبة من الله إلينا! الله الذي لم نستدل عليه إلا بالعقل.


ففي الوقت الذي ظلت فيه السلفية وغيرها من جماعات الظلام مسيطرة على عقول الفقراء والبسطاء، وغيبونا عن إعمار الحياة، وزرعوا بداخلنا حب الآخرة، والنفور من الدنيا، كانوا هم أول المنعمين بلذاتها من مال ونساء وشهوات المطعم والملبس؛ فركبوا أرفه السيارات، وشيدوا القصور والفيللات، أي أنهم عاشوا على موتنا، وصلبونا على جذوع الشجر؛ ليعانق موتنا الحياة، وما أن فاق الحي فينا حتى هبّت علينا ريح الظلام؛ ليغيب العقل من جديد، وسواء كنا مع إسلام بحيري أو ضده إلا أن الحقيقة التي يجب أن نتشبث بها هي تحرر العقل ومناقشة كل ما من شأنه أن يكون محل نقاش، فإسلام لم يقترب من ثوابت الدين المبني على القرآن الكريم والسنة الصحيحة، بل انتقد شارحي النصوص، فقامت الدنيا ولم تقعد، لأنهم يريدوننا أن نعيش ما عاشته أوروبا لأكثر من ألف وخمس مائة عام، عندما سيطرت عليها الكنيسة، وأصبح رجل الكنيسة متحدثًا باسم الله، ولا يجوز الاقتراب منه.

إن إسلام بحيري يعيد إلى أذهاننا نفس الطريق الذي اختاره الأستاذ الدكتور نصر أبو زيد، الذي آمن بأن النص الديني ثابت مقدس، وكان تمرده على النصوص الشارحة لمتن الدين وثوابته من قبل أئمة يبقى في النهاية أنهم بشر يصيبون ويخطئون، يؤخذ منهم ويرد، إلا أن السلطة الدينية تصدت له وبعنف، وحاصرته، وضيقت عليه الخناق، ورفضت بحوث ترقيته، واتهمته بالردة، ووصل بها الأمر إلى أن أقامت ضده دعوى أمام المحاكم، تطالب فيها بضرورة التفريق بينه وبين زوجه، وحكمت المحكمة حينها بالتفريق، وأصبحت زوجته أمام القانون مطلقة قسرًا من زوجها، ولما صدمت الزوجة اتخذت قرارها مع رفيق عمرها، وهاجرا إلى هولندا، ولأن الأيام دول، وما أشبه الليلة بالبارحة، فإنني لا أستبعد أن يقيم أحدهم دعوى قضائية تطالب بالتفرقة بين إسلام وزوجه.

وبذلك فإنهم يتملكون من اغتياله فكريًّا؛ لتمتد يد الإرهاب إليه كما امتدت إلى فرج فودة، وإلى نجيب محفوظ؛ ليغتالوا من خلالهم عقولنا من جديد، فهم يريدوننا أجسادًا بلا عقول، فنصبح أقرب إلى تماثيل متحركة، وببغاوات عقلها في آذانها، ولذا فلا عجب أن تصبح الهيئة العامة للاستثمار هي المرجعية الفكرية، والسيف المسلط على الفكر، ومن حقها أن تغلق قناة أو برنامجًا، في الوقت الذي تركت فيه قناة الجزيرة تشق صف المصريين، وتشعل الفتن في المجتمع!

إنني أتساءل كما تتساءلون:
أولًا: بما أن الأمر جلل لماذا لم يخرج شيخ الجامع الأزهر الشريف فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب بنفسه؛ خاطبًا فينا ومفندًا كل آراء إسلام بحيري؛ ليصبح الفكر في مواجهة الفكر، ويغلق فضيلته باب الجدال؟
ثانيًا: ما سر الزيارة المفاجئة للسيد وزير الداخلية إلى مشيخة الأزهر الشريف؛ لأنها تحمل أكثر من رسالة؟
بطء الإجابة والمعالجة يزيد من نمو الشائعات، وأرحب بنشر الإجابة إن وصلت إلينا.
عندما سئل الحلاج عن الفقر قال: ليس الفقر هو الجوع في المأكل، إنما الفقر هو القهر.
الجريدة الرسمية
عاجل