رئيس التحرير
عصام كامل

عفريت إسماعيل ياسين يبحث عن معين


مرت سبعة أيام من الشهر، ولم يبق في جيبي من مرتب الحكومة سوى خمسين جنيها فقط، ماذا أفعل أنا وكل أصدقائي من الموظفين في الأرض؟ وربما لا يختلف حالهم عن حالي، وإن لم يكن أسوأ، فكرت طويلا آملا في أن أجد ثريا من إياهم كي ينقذني مما أنا فيه، بالطبع لم أعثر على أثر لهذا الثري في خريطة علاقاتي وبينما كنت أعض أصابعي حسرة على حالي فجأة قاطعتني قهقهاتي إذ تخيلت نفسي قد عثرت على فانوس إسماعيل ياسين السحري وتمكنت من إقناع خادم الفانوس بمساعدتي على تحقيق أحلامي المادية التي عشت عمري أسعى لتحقيقها.


زدت في الضحك كلما تصورت نفسي من سادة القوم الذين يبعثرون أموالهم يمينا وشمالا في الملاهي الليلية ويلتف الناس حولهم كي يفوزوا بالتقرب منهم وكسب رضاهم، لكنني سرعان ما عدت لنفسي وتذكرت مشكلتي وقلت: "خمسون جنيها في جيبي خير ألف مرة من مائة عفريت قد أعثر عليهم داخل الفانوس " تركت الأمر وأسلمت نفسي كعادتي لهواء غرفتي البحرية وبلا إحم ولا دستور رحت في نوم عميق وإذا بي أهتف بأعلى صوتي: " ما هذا ؟ أنا في حلم أم في علم ؟ أخيرا ضحكت لي الأيام ؟ لا من المستحيل أن يكون ما أراه حقيقة، لا إنه الحقيقة، إنه الفانوس لا كذب " رأيت لزاما على أن أدس هذا الفانوس بين طيات ملابسي وأسرع إلى غرفتي قبل أن يفتضح الأمر.

لا أعرف لماذا أظلمتها رغم أنني من فاقدي البصر، ثم بعد ذلك أغلقت بابها وكل نوافذها، طبعا أخرجت الفانوس لأدعكه تماما مثلما كان يفعل إسماعيل ياسين في الفيلم لكن للأسف الشديد لم يظهر شيء عاودت الدعك ثانية وثالثة ورابعة فلم يظهر أي أثر لدخان بمنتهى الصراحة تملكني الغيظ والغضب والإحباط حتى كدت ألقي الفانوس على الأرض لكن يبدو أن هاجسا ألح على رأسي في ألا أفقد الأمل وأواصل الدعك سريعا سريعا وبمنتهى القوة فشممت رائحة غاز تيقنت أنها صادرة من الفانوس أحسست بالاطمئنان والراحة وأدركت أن هذا الغاز ربما كان نتيجة تسريب من الخرطوم الموصل بين العفريت والفانوس.

المهم ظهر العفريت المنتظر لكنه في هيئة تختلف عن كل عفاريت زمان، ظهر هذيلا نحيفا قصيرا وما أن رآني حتى انطلق ناحيتي بسرعة الصاروخ ثم انكفأ على قدماي يقبلهما متوسلا إلى بصوت ضعيف جدا: " لله يا فاعل الخير والثواب حسنة قليلة تمنع بلاوي كثيرة ومن يقدم شيء بيداه التآه بقى لي سنين مش لاقي لقمة آكلها " بتلقائية قلت له: " شبيك لبيك " فقاطعني: " خمسين دولارا فقط يعمر بيتك ويا ريت كمان سيجارة لأني خرمان جدا ولو تقدر تجيبلي وظيفة يبقى كتر خيرك " نظرت إليه بامتعاض ثم قلت: " جبتك يا عبد المعين تعينني لقيتك يا عبد المعين عايز تتعان، يا أخي كل العفاريت ممن هم على شاكلتك يأتون دائما ومعهم الملايين، فلماذا أنت لا ؟

" فرد بحسرة صاحبتها تنهيدة طويلة: " ليس في هذه الأيام السوداء يا دكتور، فقد خوت البنوك بعد تهريب ملايينها إلى الخارج، ولم يصبح في مقدور أي عفريت مهما كانت قوته أن يأتي لأمثالك ولو بمليم واحد صدقني كان زمان وجبر ولو مش عاجبك فتش عن عفريت غيري السلام عليكم " صرخت: " انتظر، انتظر، لا تتركني قبل أن تطلعني على ما آلت إليه أحوالكم " إلا أنه لم يلتفت إلى وراح يتراجع ويتلاشى تدريجيا حتى اختفى تماما.

وهنا انتابتني رعشة قوية بعدها استفقت من نومي لأجد الغطاء كالعادة مرفوعا عن ساقي وأدركت أنني كنت في حلم واستعذت من الشياطين بالرغم مما انتابني من تعاطف مع هذا العفريت المسكين، قلت لنفسي: " إذا كان أحفاد عفريت سليمان الذي كان يملك المقدرة على نقل عرش بلقيس في عشر دقائق لا يقوى أحد منهم اليوم أن يوفر لنفسه مليما واحدا، بل ويبدو جائعا منذ سنين، فكيف ببني الإنسان ؟ بمنتهى الصراحة إننا نعيش واقعا مؤلما تتفاقم فيه المشكلات يوما بعد يوم، إلى الحد الذي يأخذ منا ويسلبنا روحنا ويدفع الكثيرين منا إلى حلول غير مقبولة مثل البحث عن مصباح علاء الدين الذي ربما يجده هؤلاء في تجارة مخدرات أو ممارسة غناء هابط أو الزواج من امرأة عجوز غنية أو الوقوع فريسة للتطرف والمتطرفين أو بالسفر للمجهول فرارا من الفقر أو أو.

يا سادة إن الحلم مشروع وتحقيقه ممكن بشرط معرفة كل منا مكامن التميز في نفسه واختيار المجال الذي يمكنه أن يبدع فيه وعلينا أن نتساءل جميعا: متى تصبح قضايانا في مقدمة اهتماماتنا ويسبق حب الوطن حب الذات ؟ متى نتكاتف من أجل إنقاذ شبابنا من الوقوع في براثن اليأس والإحباط وندرك أن الرأس المالية الوطنية ينبغي أن تلعب دورا مهما في نشر الوعي واكتشاف الموهوبين وتمكين الكفاءات من تحمل مسئولية هذا البلد ؟

يا سادة علينا أن نبحث جميعا عن مصباح علاء الدين المتمثل في إعادة النظر في كيفية الاستفادة من الموارد وتوفير فرص العمل الحقيقية لملايين الشباب المحكوم عليهم بالعطالة والبطالة وإلا لا يلومن كل منا إلا نفسه.
الجريدة الرسمية