رئيس التحرير
عصام كامل

إبراهيم عيسى في انتظار حبل المشنقة


أحذر قارئي الكريم من تكميم عقلك، أو أن تسير بلا فكر، وتصبح أسيرًا لكل ملتح احتكر الدين لنفسه. أن يسب أحدٌ الأئمة الأربعة أو غيرهم من العلماء فهذا أمر مرفوض تمامًا، ولا يجوز السكوت عليه. وأن يدافع الأزهر والسلفيون الدواعش والإخوان قبلهم بهذه الحمية فهذا أمر مشروع، ولكن..أن يتحدوا جميعًا لإيقاف برنامج يناقش الآراء الفقهية والفكرية فهذا اسمه تكميم للعقول.. وآفة الأمة أن يتجمد عقلها.


إن السلفيين الوهّابيين عاشوا زمنًا طويلًا - ومازالوا - يقتاتون بالجهل والفقر والأمية، فلم نجدهم يقدمون مبادرة لمحو الأمية في الصعيد مثلًا، بل جعلوه مركزًا لهم، ولفكرهم الوهّابي، متقاسمين الأرض هناك مع الجماعات الإسلامية المتشددة، إضافة إلى جماعة الإخوان الإرهابية، وأصبح صعيد مصر مرتعًا لهؤلاء، يشكلون وعيهم وعقولهم، في غيبة من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف التي تخلت عن منابرها لهؤلاء، وسمحوا لهم بعقد اجتماع على أعلى مستوى كل يوم جمعة! ومن ثم فإن هؤلاء لا يمكنهم العيش وسط الحضر والمناطق الأعلى ثقافة وتعليمًا، بل عاشوا في القرى والنجوع والكفور، وبدلًا من أن يقوم أزهرنا الشريف وأوقافنا بتوصيل النور إلى تلك المناطق المظلمة التي تعيش على وهج النيران المميتة، وجدنا الأوقاف تستعين مرة أخرى بقادة السلفيين ليعتلوا منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من جديد، ويخطبوا فينا، ويزرعوا أرضًا خصبة بأشواك وحشائش تستنزف مياه عقول أمتنا!

ثم خرج الأزهر، والسلفيون، والإخوان بجيشهم الإلكتروني، شاهرين كل أسلحتهم المشروعة وغير المشروعة ليحاربوا إسلام بحيري، وكنت أتمنى لو أنهم حاربوه بنفس سلاحه، وهو الفكر، وأثبتوا لنا بما لا يدع مجالًا للشك أنه مخطئ في أفكاره وبراهينه، إلا أن التابو الديني عندهم سيعود بقوة ليعدموا إسلام بحيري فكريًّا، وحينها يجب علينا أن نمتثل للفكر السلفي الوهّابي، وكذا للفكر القطبي الإخواني التكفيري، الذي ربّى أبناءنا في مبتكر حياتهم على الكذب، وإخفاء أخبارهم عن آبائهم. إن كل ما يتم تداوله أن إسلام بحيري يسب ويلعن رواة الحديث، في حين أن إسلام قال على الهواء "من يأتِ لي بسب أو لعن للبخاري سأقوم بغلق البرنامج من تلقاء نفسي".

والسؤال: هل خرج أحد علماء الأزهر، أو الوهابيين، أو الإرهابيين مفندًا آراء إسلام بحيري؟! هل حارب أحدهم فكر إسلام بالفكر بناءً على قاعدة لا يفل الحديد إلا الحديد؟!

الحقيقة أننا قبل أن نفيق من سبات عقولنا التي خضعت لجاذبية الفكر التكفيري والوهّابي عقودًا، هبت ريح الجمود مرة أخرى؛ لتصبح حياتنا محصورة في فتاوى الجنس وإرضاع الكبير وزميل العمل، وأنه لا يجوز توصيل القسيس إلى الكنيسة؛ لأن ذلك نوع من التعاون على الإثم والعدوان، وخرجوا علينا بفتوى حرمانية بيع البيض والأسماك المدخنة في عيد الربيع، وأجازوا هدم الأهرامات و"أبو الهول"، ولو تملّكوا منا لفعلوا مثلما فعلوا في آثار العراق، ثم ألبسوا تمثال أم كلثوم الحجاب، وحرموا - لفترة - التحاق الطلاب بكلية الحقوق؛ لأنها تدرّس القوانين الوضعية، واعتبروا وجه المرأة كفرجها، بمعنى أن غطاء الوجه لا يقل أهمية عن غطاء الفرج، فوضعوا وردة مكان صورة المرأة على دعايتهم الانتخابية، ثم عدلوا ووضعوا صورتها مؤخرًا حسب أهوائهم ومصالحهم، وأخيرًا وليس آخرًا سعوا جميعًا لغلق برنامج إسلام بحيري؛ ليقتلوه فكريّا.

والآن تطالب الدعوة السلفية الأزهر الشريف بمعاملة إبراهيم عيسى بنفس معاملة إسلام بحيري؛ لأن إبراهيم عيسى ينشر خطابًا هدّامًا، ويعادي الأزهر!

وكما استشهدت الزميلة فاطمة ناعوت، أستشهد أنا أيضًا بأن ربنا عز وجل قبل أن يخلق آدم قال لملائكته: (إني جاعل في الأرض خليفة). فردت الملائكة: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك). وهنا لم يعصف الله بملائكته، بل قال لهم سبحانه وتعالى: (إني أعلم ما لا تعلمون). يا له من توجيه رباني لكل من يناقش الفكر.
أعدموا إسلام وعيسى ولكن لن تقدروا على إعدام الفكر.
الجريدة الرسمية