رئيس التحرير
عصام كامل

إذا لم تستح.. فاصنع ما شئت


لست فرحًا بأحكام البراءة التي صدرت في حق مبارك ورجاله، في القضايا التي رفعت ضدهم، خاصة قضية قتل المتظاهرين.. لقد حكم القضاة بما توافر لديهم من أدلة وقرائن، ومن خلال معطيات القانون العادى.. قيل إن الأدلة تم التحفظ عليها في مكان أمين، كما تحفظ علينا الرئيس الراحل أنور السادات في مكان أمين ليلة ٣ سبتمبر ١٩٨١، فلم يستطع أهلنا أن يستدلوا علينا، وأين نحن وفى أي سجن كنا، إلا بعد اغتياله بأكثر من شهر ونصف الشهر..كان المفترض أن تصل هذه الأدلة إلى أجهزة التحقيقات، ثم المحكمة، لكن يبدو - والله أعلم - لم يتم التوصل إليها، أو أنها ضلت طريقها، وبالتالى لم يعثر لها على أثر..


المهم أن الإخوان -بعد أن وصلوا إلى سدة الحكم لم يشغلوا أنفسهم ولم يكلفوا خاطرهم بالبحث عنها.. تجاهلوها تمامًا، وكأنها كانت خيالا.. لم يمارسوا أي دور -ولو من باب ذر الرماد في العيون- في الضغط على "الداخلية" لإخراج الأدلة على قتل المتظاهرين من مكانها الأمين.. بل كانوا يدافعون طول الوقت عن "الداخلية" دفاعا مستميتا ملك عليهم قلوبهم، ولم لا وهم يظنون أن رجالها أصبحوا رجالهم، الذين يأتمرون بأوامرهم، ويحافظون على نظام حكمهم، ويقدمون فروض الولاء والطاعة لهم (؟)، وأنهم - أي الإخوان - لن يسمحوا لأحد بأن ينال منهم، أو يوجه إليهم أي اتهام بقتل فلان أو تعذيب علان.. ووصل الأمر إلى درجة أن الرئيس المعزول مرسي وقف يخطب في قوات أمن الداخلية في منطقة الدراسة قائلا: أنتم قلب العبور لثورة الــ٢٥ يناير(!).. هل هذا معقول؟ لكن، ما الذي دفعهم إلى ذلك؟ هل تصوروا أنهم يستميلون "الداخلية" إليهم بهذا الأسلوب الممجوج الذي ينضح كذبًا وبهتانًا؟!

في عهد المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوى، صمت الإخوان صمت القبور عن مذابح ماسبيرو، ومحمد محمود الأولى، ومجلس الوزراء، واستاد بورسعيد، ومحمد محمود الثانية..الخ.

وكأنهم في دنيا أخرى.. كان واضحًا، أنهم لا يريدون اغضاب المجلس العسكري، وكان واضحًا أيضًا أنهم لا يريدون أن يشغلهم شيء عن الوصول إلى السلطة التي حلموا بها، ولو على أشلاء الضحايا والجرحى والمصابين..

وعقب الثورة مباشرة، تنادى الجميع بضرورة تطبيق العدالة الانتقالية، لأن القوانين العادية لن تمكن من استخلاص حق الشهداء في القصاص من قتلتهم.. ورغم أن الإخوان أكدوا ذلك أثناء حملتهم الدعائية في الانتخابات الرئاسية، فإنهم بعد أن اعتلوا سدة الحكم لم يحركوا ساكنا، ولم يتخذوا أي خطوة في هذا الاتجاه، وكان الأمر لا يعنيهم.. لقد تبخرت وعودهم التي أطلقوها، وذهبت أدراج الرياح..

المهم أن الإخوان وأنصارهم الآن حزانى، ومكلومون.. أقاموا الدنيا ولم يقعدوها.. كيف يحكم على مبارك ورجاله بالبراءة في عهد السيسي؟! ونقول لهم: وماذا فعلتم أنتم في عهدكم، سواء فيما يتعلق بالأدلة أو العدالة الانتقالية؟ ألم تكونوا على رأس السلطة في مصر؟ لكن، حقًا كما جاء في الحديث: "إنه كان من كلام النبوة، إذا لم تستح فاصنع ما شئت".. كما أنه لا حرج على الذين أرسلوا خطابًا يقطر عذوبة ورقة للسفاح "شيمون بيريز"، رئيس دولة الكيان الصهيونى، يصفونه فيه بـ"الصديق الوفى"، ويتمنون له ولحكومته وشعبه - البربرى والوحشى - العيش الهنى والحياة الطيبة فيقولون: "نتمنى الرغد لبلادكم"، ونسوا أو تناسوا أن هذه البلاد هي فلسطين المحتلة والمغتصبة من قبل هذه العصابات صاحبة التاريخ الدموى.. فهل تم ذلك ضمن صفقة مع الإدارة الأمريكية في مقابل أن تصلوا إلى السلطة؟! والسؤال: لماذا تطالبون السيسي بما لم تفعلونه؟
الجريدة الرسمية