رفقا يا أخ إسلام
لا أنكر أن إسلام البحيري صدع بكثير من ظفرات غيظ محتقن في سويداء القلوب التي كفرت بعقول النقل، التي ضاهت قول الذين كفروا بقولهم هذا ما وجدنا عليه آباءنا، فقالوا بلسان حالهم هذا ما وجدنا عليه علماءنا، وقد وقف إزاحة للشبهات احتجاجا بالبينات لما ألبسه خوارج الفكر ودواخل المكر وأهل الفضل، منهم من أفتى بحكم لسان عصره، فحكم من تبعه بجهل بوجوب كلامهم في كل صور العصور، ومختلف الأمور، فضلوا وأضلوا، ولم يفهموا سنة الله في كونه، فكل يوم هو في شأن، يرفع ويخفض في الإفهام، ويعطي القوم ما لا يعطي للأقوام، فتختلف المصالح باختلاف المطارح.
فخلع مجاهدا الثياب المتداعية، التي أراد حملة الأسفار جهلا إلباسها للإسلام فجعلوا آيات نزلت في الكافرين وحملوها على المسلمين حمل غير قويم، فأبدع في إظهار حكم الردة من وجوه عدة، وبرئ اللسان المحمدي بما برأه الله به بإظهار بديع حسن خلقه بعلاه على الخلق العظيم، وبهديه لهدي الصراط المستقيم، وحنف الفهم لقول الحق سبحانه "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".
لكن لي مآخذ أحملها عليه بلسان النصح لا التجريح..
أولا: الأدب مع العلماء، لما وصف الحق سبحانه الصراط وصفه بأهله، فقال "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم"، وهم الأنبياء وورثتهم من العلماء، ورثة العلوم، ومن الأولياء منبع الفهوم، من عاداهم فقد استباح نفسه لحرب الله له، فوجب الأدب أدبا لا يفارق حذر في الكر عليهم، فالأدب لا ينافي واجب الإصلاح، ولكم في رسول الله أسوة حسنة.
ثانيا: الرفق.. فإن هذا الدين متين لا يشاده أحد إلا غلبه، ولا غالب لك به إلا باللين والرفق في الحال والمقال، فما دخل الرفق في شيء إلا زانه، وما رفع عنه إلا شانه، وأخص بالذكر قوارير العوام من الناس، الجاهل بتفصيل الكلام والحاكم على الأمور بما يسطره لسانك في سطر عقله.
ثالثا: الجماعة.. فيد الله مع الجماعة، فابحث عمن سبقك يا أخ إسلام البحيري بالفضل تنويرا، وأظهر فضل علمهم من ركام الجهل تعزيزا، فيتواتر خبرك ويرسو فكرك، فيما أقامك الله فيه، فتزكي دعوتك وتحكم فصل قولك.
رابعا: الاجتهاد ومنهج البحث، فلا تنسى وأنت تنتقد اجتهاد العلماء لبشريتهم التي تحتمل الخطأ أنك بشري مجتهد بعلم تصيب وتخطأ مثلهم، وكل يأخذ منه ويرد، وظهر ذلك في منهج البحث، وأذكر مسألة للمنهج كعنوان لتقريب الصورة للأذهان، فقد أشرت لإمكان قيام القيامة علينا بغتة بلا علامات تدرك تسبقها، في ضوء قراءتك لقوله تعالى في سورة الأنبياء الآية 41 "بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون"، وقد حكمت بلازم كلامك وأخذه بإطلاقه يصطدم مع شواهد قرآنية أخرى، فانظر من المخاطب في سابقتها من الآية "لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينظرون"، وغبنت قول الحق بسورة محمد الآية 18 "فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم"، وعطلت حكم قول الحق بسورة الأنفال الآية 33 "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان معذبهم وهم يستغفرون"، كيف تقوم تلك الأهوال وهي من ألوان العذاب على خير أمة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، ولسانهم بالاستغفار حي فقيام القيامة بأهوالها يقتضي ألا يكون هناك موحد مستغفر باللسان عائد إلى الله بتوبة، وهذا يتفق مع ما ورد من أحاديث نبوية شهدت لكلام الله بالبيان بقبض الله أرواح المؤمنين بريح نسيم طيبة قبل قيام القيامة بالأهوال، ولكنك لم تر منها شاهد ولفظ البغتة المذكور في كتاب الله لازمه في السياق كلمات بضمير الإشارة للغائب، فقال في المواضع "تأتيهم" أخذناهم "جاءتهم" تبهتهم"، والمتمعن في الضمير يفهم أن كل قارئ لها ليس مخاطبا بها، فلو كان قارؤو القرآن أهل الإيمان مخاطبين بها في جملة المخاطبين لقال الحق سبحانه "فتبهتكم وتأتيكم وتأخذكم"، إلا في ثلاثة مواضع:
الأول: في سورة الأنعام الآية 47 "قل أرءيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون" فالمخاطب بالهلاك الظالمون لا غيرهم.
والثاني: في سورة الأعراف الآية 187 في سياق سؤال واقع من غير مؤمن فكانت الإجابة لحال السائل لكفره لا لشخصه "يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة".
والثالث: سورة الزمر الآية 55 "واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن تأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون"، فقد أعقبها الحق سبحانه بأحوال الكافرين وأعقب ذكر أحوالهم بذكر حال المؤمنين فقال الحق "وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون"، وذلك يدل على انقضاء عمر الأمة المحمدية قبل قيام أهوال الساعة والأولى الإعداد لها من الانشغال بها، لكن وجب البيان فرض كفاية.
وأخيرا فإن قولي هذا اجتهاد يأخذ منه ويرد كقولك أخي الكريم اجتهاد يؤخذ منه ويرد، فلا تأتي بما تنهي عنه، وزين نيتك برفق اللسان، ولين الكلام، فتألف قلوب المخاطبين بالبيان من عقلاء القوم، والله أعلى وأعلم.