رئيس التحرير
عصام كامل

"المغرة".. أرض الشقاء أو النعيم


العبد لله الفقير، حفر آبارا في الصحراء، بمواصفات تفوق المواصفات التي طرحتها وزارة الري، لتنفيذ 8000 بئر جوفية لزراعة المليون فدان الأولى، ضمن خطة رئيس الجمهورية لزراعة 4 ملايين فدان بنهاية 2017.


بلغت التكلفة الإجمالية للبئر الخاص بي نحو 550 ألف جنيه فقط "حفر + جدار بلاستيكي 16 بار بعمق 300 متر + مواسير طرد حديد أوكراني 5 بوصات سيملس 6 ملل + 340 متر كابلات نحاس بحري 3*35 ملل + لوحة تحكم 100 حصان بأجزاء شنايدر + طلمبة غاطسة 80 حصان تركي استانلس + مقايسة كهرباء عمومية + محول كهرباء 200 كيلووات/ ساعة)، وهذا البئر تصرفه حاليا يزيد على 100 متر مكعب / ساعة.

أما مناقصة وزارة الري، فتعتمد البئر (حفر وجدار فقط)، للمقاولين الكبار بـ (1960 جنيها للمتر، ولا يشمل سوى: الحفر، جدار البئر، مع تجربته ثلاثة أيام، و"حبشتكانات" لا قيمة لها).

أحد المقاولين الذين يعملون هناك، قال إن لديه معدات للحفر مع المقاولين الكبار (بسعر 425 جنيها لحفر المتر فقط)، فيما يتكلف متر المواسير لجدار البئر بعد تصنيعه بمواصفات "الري" 375 جنيها، أي أن إجمالي تكلفة حفر المتر بجداره بكامل المواصفات "الفشكولية" يصل إلى 775 جنيها.

وبما أن العملية تمت ترسيتها على المقاولين الكبار (المقاولون العرب - ريجوا - العربية - وإدارة المياه بالقوات المسلحة) بسعر 1960 جنيها للمتر، فمعنى ذلك أن الفرق بين المقاول النهائي المنفذ و"المقاول البيه" 1285 جنيها للمتر الواحد، هذا الفرق يكلف البئر (بعمق "+ أو _" 300 متر) نحو 385.5 ألف جنيه.

فماذا لو كلفت الدولة مباشرة المقاولين النهائيين الصغار المسجلين، ولديهم بطاقة ضريبية، وسجل تجاري، ولديهم عمال مصريون نظاميون؟

كان من الممكن أن تفرض الدولة على الشركات الصغيرة العاملة في مجال الحفر، أن تفتح ملفات للتأمين على عمالها، وكان من الممكن أن تجتهد في إنشاء صناديق حمائية مؤقتة لكل عملية، وهناك شركات تأمين عديدة ترحب بهذه الصناديق.

هذه العملية كانت ستوفر للدولة في موقع مثل "المغرة" فقط (1200 بئر)، نحو 460 مليون جنيه، وبذلك ينخفض سعر تكلفة البنية الأساسية للفدان، الذي تسلمه الدولة للمنتفع أو المشتري بسعر مضاف إليه تكلفة البئر بهذه الطريقة المجحفة (نحو 4000 جنيه للفدان من البئر فقط).

سأزيدك من الشعر بيتا محزنا.. هل تعلم أن شركات الحفر هناك اتفقت مع الأهالي على تنفيذ آبار بنفس مواصفات وزارة الري "بالحبشتكانات" بـ 550 جنيها فقط للمتر؟

وبهذه الحسبة يصبح الفرق للدولة من حفر 8000 بئر للمليون فدان في 11 منطقة استصلاح، نحو 3.83 مليارات جنيه.

والعجيب أن هذه الشركات "الحيتان" غالبا ما تدعي الخسارة، وأن معداتها واجبة "التخريد" دائما، وأن الاحتجاجات العمالية فيها، من أكثر الأشياء التي تصدّع رءوس المسئولين في الدولة.

هذا إذا كان الأمر في بند حفر الآبار فقط، فما بالك بباقي عمليات تأسيس البنية التحتية (طرق - مساكن - مدارس - مستشفيات - ومرافق عامة).

كنت أظن أن مشروع المليون فدان مشروع تنموي شامل، يضخ الحياة في شرايين المقاولين الصغار، الذين يطاردهم لقب "مقاول الباطن" حتى نهاية أجله، فيما يظل مقاولو الظاهر "استشاريين"، يجوبون المواقع بسيارات دفع رباعي (على حساب مقاول الباطن طبعا)، وتقام لهم الولائم والتشريفات حين وصولهم أرض الموقع.

كان مشروع المليون فدان فرصة لتصحيح أوضاع المقاولين الصغار، حتى يدخلوا ضمن الاقتصاد الرسمي، فيدفعون الضرائب الواجبة، ويؤمنون على عمالهم، الذين يموتون موتا عبثيا في حوادث عمل، ويتركون جمعيات أهلية غير رسمية لرعاية يتامى، يبلغون الحُلُم تحت المطرقة التي قتلت آباءهم. 

هذه مصر إلى أن يشاء الله بصورة جديدة لها.. ربما بعد الثورة الألف.
الجريدة الرسمية