رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«سرقات فنية».. بيتهوفن متهم بسرقة سيمفونيته الخامسة.. أفلام وروايات مصرية ببصمات هوليوودية و«القعيد» يطالب بجهاز ملكية فكرية لمواجهة السرقات


فوضى سرقة الألحان الموسيقية ليست أمرًا وليد القرن الـ21 بل تمتد جذورها إلى مئات السنوات، حين أخذت أمواج الشائعات تحاصر الموسيقار العالمى بيتهوفن لاقتباسه لحن سيمفونيته الخامسة من رقصة إيطالية في أوبرا تسمى «ترانتيلا» من أعمال القرن الـ16.


لم تتوقف الأزمة عند بيتهوفن بل تناقلتها السنوات لتصل إلى موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، الذي لم ينج من الهجوم عليه واتهامه بسرقة ألحان بعض أغانيه من الموسيقى الكلاسيكية الغربية، وكتبت العديد من المقالات عن هذه القضية من قبل النقاد والمختصين ومنهم من أسماه «حرامى الفن»، فيما اتهمه آخرون صراحة بسرقة الألحان الغربية وحتى المصرية.

هجوم ثلاثي
في أواخر عام 1957، بدأ هجوم عنيف على الموسيقار محمد عبد الوهاب شنه ثلاثة من أشهر فنانى مصر، وهم الملحن كمال الطويل ومحمد الموجى وعبد الحليم حافظ.

«الطويل» هاجم موسيقار الأجيال في إحدى الصحف المصرية، قائلا: «عبد الوهاب تلميذ في مدرستي، ويشبه نفسه بالنهر المتدفق، وأنا لا أعترض على هذا التشبيه، وإنما يلذ لى أن أوضح أن هذا النهر يستمد الحياة من أنهار غير مصرية، ودليلى على ذلك أغانيه الأخيرة قد استحالت إلى طعم آخر ولون آخر ونهج آخر، حتى أداء عبد الوهاب تغير والذي يسمعه وهو يؤدى أغنية (آه م الإثنين)، يتذكر عبد الحليم حافظ في أغنية (بينى وبينك إيه)، لقد اختفى عبد الوهاب القديم وظهر عبد الوهاب المتأثر بمدرستي، وأيده في الرأى محمد الموجى حينما أكد أن عبد الوهاب سرق جُملا من ألحان كمال الطويل.

أما عبد الحليم حافظ فذكر في لقاء صحفي: «صوت عبد الوهاب صدى لصوتي، وعبد الوهاب يريد أن يعلق اسمه دائمًا فوق القمم المرتفعة، وقد غير أداءه وطريقته لينسجم معى حتى أصبح صدى لصوتي». ثم هاجم الصحفى محمد التابعى عبد الوهاب في حملة شرسة شنها ضده في عدة مقالات بجريدة أخبار اليوم عام 1962 تحت عنوان «فن حرامية».

وفى يونيو عام 1979، شنت جريدة السفير اللبنانية حملة هاجمت فيها محمد عبد الوهاب أيضًا، وعرضت وثيقة اليونيسكو وأسمتها سرقات من الموسيقى الكلاسيكية الغربية وتم توزيع هذه الوثيقة ونشرها في معظم المجلات والصحف العربية.
ومن الاقتباسات التي تضمنتها هذه الوثيقة أن لحنى أغنيتى «أحب عيشة الحرية» و«طول عمرى عايش لوحدي» مأخوذان من السيمفونية الخامسة لبيتهوفن المعروفه باسم القدر، وأن موسيقى النيل نجاشى والنهر الخالد من إحدى افتتاحيات تشايكوفسكي.
كما تم اتهامه باقتباس ألحان أغنية «كان عهدى وعهدك في الهوى» من أوبرا عايدة لفردي، وأغنية «يا اللى نويت تشغلني» مقتبسة من أوبرا ريجوليتو، وأغنية «القمح» مأخوذة من إحدى مقطوعات تشايكوفسكى أيضًا.

عبد الوهاب يكسر صمته
ظل الفنان الراحل محمد عبد الوهاب حائرًا في هذه الهجمة الشرسة التي لا يعرف سببها، وكان دائما ما يتساءل: «لماذا لم ينتقد طه حسين وأحمد لطفى السيد ومحمد حسين هيكل في اتجاههم نحو الأدب الغربي؟».

حينها أجرى الكاتب مجدى سلامة، حوارًا مع عبد الوهاب بشأن هذه الاتهامات ليعطيه حق الرد، وقال موسيقار الأجيال: «في فترة الكفاح من أجل الاستقلال كان الاغتراف من الوجدان الموسيقى الشرقى جزءا من مقاومة الوجدان الشعبى لكل ما هو أجنبي، فلما أصبح لمصر شخصيتها المعنوية وكيانها الدولى المستقل بعد معاهدة 1936 تخففت الموسيقى من العقد والرواسب وبدأ يحدث التفاعل بين الوجدان الموسيقى الشرقى والانفتاح على الغرب الذي اعتبره البعض سرقة واقتباسا».
وأضاف: «كل جملة أخذتها وبنيت عليها يعتبر عملا كبيرًا، قد أعتقد أن هذا يعتبر إضافة تحسب لي، كما أن السرقة في عرفى تكون عندما آخذ أهم جملة موسيقية في العمل المقتبس منه وأضمها لعملى وهذا لم أفعله».

«ظاهرة السرقة أو الاقتباس موجودة في الحضارة الموسيقية العالمية من قرون وكل مستمع للموسيقى، خاصة إذا كان مشتغلا بها، لا بد أن يتأثر بإبداعاتها القديمة منها والحديثة، وأعتقد أن ما يدخله الفنان في فنه ولو كان من غير المرهون بتذوق الجمهور له، فإذا نال إعجاب الجمهور فلا نقد عليه فما دامت النغمة مقبولة وغير مقحمة فإن هذا يعطيها شرعية»، بحسب عبد الوهاب.

الموسيقار سليم سحاب كان له أيضًا رأى بشأن عملية اقتباس الألحان، فذكر: «الآراء السابقة تؤكد أن ظاهرة الاقتباسات الفنية شائعة منذ القدم وهى موجودة أيضًا في الفن الغربي، ولو كان على سبيل المثال أن محمد عبد الوهاب قد أخذ لحن أحب عيشة الحرية من بداية السيمفونية الخامسة لبيتهوفن فإن الشائع أن بيتهوفن نفسه قد اقتبسها من رقصة إيطالية في أوبرا (ترانتيلا) من أعمال القرن الـ16».

وأضاف:لا يمكن لعاقل القول بأن محمد عبد الوهاب سارق موسيقى، وهو صانع كل هذا التراث، ولو قلنا ذلك كأننا نقول إن «ملياردير» سرق بضعة دراهم أو حفنة دولارات، ولو أن محمد عبد الوهاب أخذ جملة وبنى عليها عملا كبيرا فهذه إضافة تحسب له ولا تحتسب عليه السرقة».

عمرو مصطفى.. نسخة مكررة
في وقتنا الحالي، كان الملحن والمغنى عمرو مصطفى أبرز الوجوه التي نالت اتهامات بالجملة بسرقة الألحان، خصوصًا الألحان التي قدمها للفنان عمرو دياب، فضلا عن محاصرته بالسطو على ألحان أجنبية منها تركية وإسبانية وإيطالية.

واتهم عمرو مصطفى بسرقة لحن أغنية «يبقى أنت أكيد في مصر»، والتي غناها محمد الكيلانى في عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك لتنشيط السياحة، واقتباسه اللحن من طقطوقة ذات نغمات خالدة أبدعها فنان الشعب سيد درويش بعنوان «زورونى كل سنة مرة»، وكتب عمرو اسمه على التتر بمنتهى الجرأة إلا أن وقتها إيمان البحر درويش حفيد فنان الشعب لم يسكت وتكلم كثيرا في الأمر فعدل صانعو الأغنية التتر وكتبوا أنها ألحان سيد درويش وأصبح عمرو مجرد صاحب رؤية فنية فقط.

كما تم اتهامه باقتباس لحن أغنية «بامبو» للفنانة العالمية (شاكيرا)، والتي قدمتها في حفل نهائى كأس عام 2006، وقام باستخدامه في أغنية مرجان أحمد مرجان.
الفنان محمد رحيم كان إحدى حلقات الهجوم على عمرو مصطفى، عندما اتهمه باستنساخ لحن أغنية «بشرة خير» التي غناها الفنان حسين الجسمى من لحن قديم له، قائلا: «هذه ليست المرة الأولى التي يأخذ عمرو مصطفى فيها ألحانى وينسبها لنفسه، وأخذ قبل ذلك أكثر من 20 أغنية بنفس الطريقة التي فعلها في أغنية بشرة خير».

«رحيم» نشر فيديو كليب لأغنية الفنانة «إيما»، تحت عنوان «لا كده ولا كده»، كى يبرهن أنه تمت سرقة اللحن من هذه الأغنية، وعلق على الفيديو قائلا: «شاهد بنفسك سرقة عمرو مصطفى للحن قدمته منذ 8 سنوات.. إذا أول جزء في أغنية حسين من لحن أغنية إيما، والجزء الثانى من أغنية كل ده لشيرين وجدي، والاثنان من ألحانى قدمتهما من سنوات عديدة». أبرز الأعمال الفنية التي دارت حولها تهمة الاقتباس والسرقة كان فيلم «شجيع السيما»، الذي قام ببطولته أحمد آدم، وقيل إنه مأخوذ من الفيلم الأمريكى «الطريقة الصعبة» لمايكل جيفوكسي، وفيلم «جاءنا البيان التالى» للفنان محمد هنيدى واتهم بأنه مقتبس من فيلم شهير لجوليا روبرتس بعنوان «غاوى مشاكل»، وبعد الهجوم النقدى الذي تعرض له مؤلف الفيلم محمد أمين حاول هنيدى التخفيف من حدته، وأشار إلى عدم علمه بهذا الاقتباس وأنه ظن أنه فكرة خالصة لمؤلفه، ولو كان يعلم لكتب على أفيشات الفيلم مصدره الأصلي.

كما أن فيلم «طأطأ وريكا وكاظم بيه» مأخوذ عن الفيلم الأمريكى «حكاية منتصف الليل» لرالف ليفي، والمعروض عام 1962، وفيلم «سمكة وأربعة قروش» مأخوذ عن الفيلم الأمريكى «سمكة اسمها واندا» المعروض عام 1988، وعرضت النسخة المصرية منه عام 1997، كما أن فيلم «ليه خلتنى أحبك» الذي قام ببطولته كريم عبد العزيز مع حلا شيحة وحنان ترك، اعترفت مخرجته ساندرا نشأت بأنه مأخوذ عن واحد من أفلام جوليا روبرتس «زواج أعز أصدقائي».

كما أن فيلم حبيبى نائمًا، الذي عرض عام 2008 بطولة النجمة مى عز الدين وخالد أبو النجا مقتبس من الفيلم الأجنبى Shallow Hal الذي عرض عام 2001 بطولة جوينيث بالترو، وجاك بلاك، والشاب المسحور الذي يرى الجمال الداخلى للفتاة بينما هي غير جميلة من الخارج، وفيلم ألف مبروك لأحمد حلمى مأخوذ عن فيلم «Groundhog Day» بطولة بيل موري، وفيلم التوربينى بطولة شريف منير وأحمد رزق، عن قصة فيلم Rain Man بطولة توم كروز وداستن هوفمان.

وتعرض الزعيم عادل إمام لاتهام بسرقة قصة فيلم Scent of a Woman بطولة النجم آل باتشينو، وأنتج فيلمه «أمير الظلام»، وكذلك فيلم «طير إنت» لأحمد مكى مأخوذ من الفيلم الأمريكى Bedazzled، وفيلم «خادمة ولكن» بطولة إلهام شاهين، مأخوذ عن فيلم Pretty woman لجوليا روبرتس، وفيلم «جيم أوفر» ليسرا ومى عز الدين مأخوذ عن فيلم Monster-in-Law بطولة جين فوندا وجينيفر لوبيز، ثم يأتى أكثر أفلام السينما المصرية إثارة وجدلا فيلم «حلاوة روح» للفنانة هيفاء وهبي، والذي تمت سرقته من فيلم Malena بطولة «مونيكا بلووشي».

«الفيل الأزرق».. خريطة الروايات
جمهور غير واع
وعن سرقة أفكار الأفلام والألحان والاقتباسات، قال الأديب يوسف القعيد إن الاقتباس كان مشروعًا في بداية صناعة السينما في ثلاثينات القرن الماضى لأن الفن وقتها لدينا لم يكن له تراث، فكان من الطبيعى أن نسطو على الغرب ونقتبس من أفكارهم لكن بشرط أن نذكر اسم المصدر الذي تم الاقتباس منه.

القعيد أوضح لـ«فيتو» أن الاقتباس والسرقة لم ينتهيا بعد بل ما زالا مستمرين حتى الآن بصورة أكبر لكننا ليس لدينا جهة تقوم بالمحاسبة على هذا العمل سوى الرقابة إلا أنها ليست جهاز ملكية فكرية فلا تستطيع القيام بذلك.
وأشار إلى أن معظم السرقات التي تتم الآن من مخرجين أو ممثلين رحلوا عن عالمنا لذلك لا يستطيعون ملاحقة من يسرقون أفكارهم، بالإضافة إلى أن الجمهور لم يعد واعيًا وليست لديه فكرة عما تتم سرقته واقتباسه بل كل هدفه المشاهدة فقط.
وأوضح أن من أكثر الأمور التي تؤرق أي كاتب سرقة مجهوده ونشره باسم شخص آخر، خصوصًا إذا كان هذا الشخص من مدعى الأدب، والأكثر تعقيدا حدوث هذه السرقة قبل أن يقوم الكاتب بنشر نتاجه في صحيفة أو مجلة أو كتاب حتى يستطيع أن يثبت حقه الفكرى في أن ينسب هذا النتاج إلى اسمه.

«الحلقة»
في الآونة الأخيرة، انتشر برنامج على موقع يوتيوب باسم الحلقة يقدمه إسماعيل مصطفى، وتقوم فكرة البرنامج على نقد الأفلام المصرية المقتبسة من أفلام أجنبية أخرى، ويخصص مقدم البرنامج حلقة لكل فيلم مسروق، ويعرض أبرز المشاهد التي تم اقتباسها من الفيلم الأجنبى وإنتاجها كما هي بالطريقة المصرية.

ويعتمد مصطفى في برنامجه «الحلقة» على الأسلوب الساخر في عرض مادته، وينتقد الأفلام المسروقة والفنانين المصريين نظرًا لقبولهم إنتاج فيلم مقتبس بهدف توعية المنتجين والقائمين على الأعمال الفنية بضرورة التخلص من فكرة الاقتباس وسرقة أفكار الأفلام الأجنبية، والتشجيع على إنتاج أفلام مصرية خالصة.

وفى تصريح لـ«فيتو» قال مقدم برنامج «الحلقة»: «برنامجى يشبه كثيرًا برنامج باسم يوسف في أسلوبه الساخر وانتقاده للأوضاع السياسية في مصر، وعندما حقق (البرنامج) نجاحًا هائلا، كان حافزًا لى لعمل برنامج شبيه له باسم (الحلقة) لكن لنقد السرقات الفنية والأدبية، وكثرة الأعمال الفنية المصرية المسروقة من الغرب».
Advertisements
الجريدة الرسمية