رئيس التحرير
عصام كامل

نتنياهو والإخوان وإيران ولعبة العروش المميتة


هي الحرب ترتدي آخر ثيابها التنكرية، بعدما أرسلت كل رسلها بخطوات سريعة ومسموعة لمن له عقل في رأسه، لا في أذنه.. هذا نتنياهو رسول الحرب ونذير الشؤم، يلمح إلى بدايات النهاية للعالم العربي إن لم ينفخ الله في جسد أمتنا مرة أخرى!


لقد كشف نتنياهو في خطابه الأخير أمام الكونجرس الأمريكي مارس 2015م، حقائق خطيرة، يجب على كل القادة أن يقفوا عندها في قمتنا العربية المنعقدة اليوم في شرم الشيخ، راصدين، ومحللين، ودارسين، ومخططين، ومنفذين؛ لأننا نحيا في الوقت بدل الضائع.

أولًا: لقد صك نتنياهو في هذا الخطاب، مصطلحًا يعكس أن النهاية للدول العربية تصاغ الآن، عندما تحدث عن الصراع الإيراني والداعشي تحت مسمى (لعبة العروش المميتة) قائلًا: (إيران وتنظيم الدولة الإسلامية يتنافسان على عرش الإسلام المتشدد.. هم فقط غير متفقين فيما بينهما حول من سيكون قائدًا لتلك الإمبراطورية.. إنها لعبة العروش المميتة).. أي أننا دخلنا فعليًّا في إطار هذه اللعبة المميتة.

ثانيًا: الدول العربية في حسابات إسرائيل ماتت إكلينيكيًّا، ودخلت في نهايات الموات، وأصبحنا أمام بزوغ عالم جديد تتعملق فيه إسرائيل ودولة فارس، ومن ثم فقد قال نتنياهو: (في حين تنهار الدول في الشرق الأوسط، تتحرك إيران لملء الفراغات)، وهذا تجسد فعليٌّ الآن لما يحدث في اليمن.. ففي الوقت الذي خفت فيه نجم داعش الإرهابي كانت اليمن على موعد مع الحوثيين المدعومين من إيران وغيرها؛ لاغتصاب أرض اليمن، وأصبح مصطلح (اليمن السعيد) اسمًا على غير مسمى.. وا يمناااااه!

هنا سعت إيران في خلسة، لتفرض هيمنتها على باب المندب لخنق مصر، وكانت إيران على بينة من أمر الحوثيين قبل هذه الأعمال الأخيرة، ولذا فقد قال نتنياهو: (لقد قامت إيران بعمل تدريبات عسكرية قرب المضيق، وقامت بتدمير مجسم لحاملة طائرات عسكرية.. إن إيران منشغلة بالاستيلاء على الدول الأخرى).. ومن المرارة التي صارح بها نتنياهو العالم تعميمه بأن دول الشرق الأوسط تنهار، وهذا معناه أن مصر خارج حسابات إسرائيل، وأن إسرائيل تعتبر مصر من الدول المنهارة، استنادًا إلى اقتصادها الضعيف المترهل، فالقوة العسكرية إن لم تجد تمويلًا اقتصاديًّا تقف المجنزرات ولا تتحرك.

ثالثًا: علاقة الإخوان بإسرائيل لن تنتهي، وستظل الإخوان داعمة لإسرائيل نظير عودتها إلى المشهد السياسي مرة أخرى، وقد برز هذا الدعم الإخواني لإسرائيل في عام 2011م بعد قيام الثورة، وكما ذكر نتنياهو مقدمًا الشكر لأمريكا: (إن بعض الأمور التي قام بها الرئيس أوباما لإسرائيل، لن تعرف أبدًا لأنها حساسة وإستراتيجية، لكنني أعرفها وسأكون على الدوام ممتنًا للرئيس أوباما بسبب دعمه.. دعوت له في عام 2010م عندما كان لدينا حرائق الغابات.. وفي عام 2011م كانت سفارتنا في القاهرة تحت الحصار).. ولأن الشارع المصري حينها كان يسيطر عليه الإخوان فإن الدعم جاء من الإخوان.. وتارة أخرى يقول نتنياهو مستخدمًا صيغة المبني للمجهول التي قلما استخدمها رئيس في خطابه: (قيل لنا أن نعطي الرئيس روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف، فرصة لإحداث تغيير وتحقيق الاعتدال في إيران).

ولأنه يتحدث هنا عن وساطة تمت منذ عامين، فإنها وساطة تمت نهايات عام 2012م وبدايات عام 2013م، ومن ثم فإن الوسيط هو نفسه الذي كان يتقارب مع الدولة الإيرانية، وهو نفسه الذي توسط بين إسرائيل وحماس لوقف المقاومة، أي أن الوسيط هو الإخوان في مصر.. ولأن خطة صناعة داعش قد فشلت في تحقيق خلخلة الوطن العربي، فقد خرجت أمريكا بسيناريو جديد يتمثل في تأجيج الصراع الطائفي الذي وضع خطته برنارد لويس، وهو محاربة العرب بطائفتي الشيعة والسنة، ولذا أطاح الحوثيون بمقاليد الدولة اليمنية.

إن لم يتفق العرب في قمتهم هذه، فإن المعارضة في دولهم ستشعل الأزمة من خلال الاستعانة بالإخوان والسلفيين لمواجهة المد الشيعي، وهنا تعود الإخوان مرة أخرى للمشهد السياسي بعد قبلة الحياة التي أعطتها إياها القمة العربية في حالة عدم خروجهم باتحاد الحزم، كما فعلوا في عاصفة الحزم.

إلى القادة العرب والشعوب العربية:
كنا نحلم بالوحدة كوحدة الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، ثم تراجع الحلم فأصبح قوميًّا، وعندما فشلنا في تحقيقه، تراجع شيئا فشيئا حتى صار حلمنا أن يكون لكل منا دولة وطنية نحافظ على حدوها!

وكما يقول أمير الشعراء: قد قضى الله أن يؤلفنا الجرح، وأن نلتقي على أشجانه.

إن قمتنا العربية هذه قمة البقاء أو الزوال، ولن نغفر لكم إن لم تخرجوا بوحدة الحزم.
الجريدة الرسمية