رئيس التحرير
عصام كامل

"لقصر" بلدنا بلد نُوّاح



يا خسارة: السابعة صباحا وصلت طائرتنا إلى الأقصر.
٢٠ دقيقة من المطار إلى الفندق العائم.
الفندق جثة هامدة بطول وحش عملاق، يسر الناظرين من الخارج، ويقبض الروح في داخله."جنة من غير ناس".. هذا ما قاله رب الأسرة الذي رافقنا الرحلة، خمسة أفراد، وأنا وزوجتي. أقلتنا "سيارة فان" من المطار إلى مرسي الفندق، عبر طريق خلاب بزراعاته التقليدية (قمح وبرسيم تتخللها بعض فسائل الموز). الطريق محاز لترعة ليست ضيقة، وكلاهما مواز للنيل العملاق.


تتعجب حين لا ترى من ملامح الجمال على جانبي الطريق سوى الزراعات التي تشبه رقعة شطرنج، توثق تفتيت الملكية إلى قراريط تتناغم حصيرتها بين برسيم يهدده الحش المتلاحق، وقمح يزهو بشواربه السنبلية الزغيبة. السجادة الخضراء تقطعها أحيانا بنايات عشوائية تنافس فيها الجدران الأسمنتية الجرداء تواضع العشش والأكواخ، بعضها من الطوب اللبن، والبعض الآخر من البوص الفقير.المنظر العام لا يوحي بمدخل مدينة سياحية، كانت ذات يوم عاصمة للدولة الفرعونية، واسمها القديم طيبة، وتعرف بأنها تحوي ثلث آثار العالم.

المدينة التي يشطرها النيل شطرين، تضم العديد من المعالم الأثرية الفرعونية القديمة مقسمة على البرين "الشرقي والغربي".
يضم البر الشرقي من الأقصر: معبد الأقصر، ومعبد الكرنك، وطريق الكباش الذي يربط بين المعبدين، إضافة إلى متحف الأقصر.
ويضم البر الغربي من "طيبة الفرعونية": مقابر الأسر الفرعونية المعروف باسم "وادي الملوك"، ومعبد الدير البحري، ووادي الملكات، ودير المدينة، ومعبد الرامسيوم.

ترى، كل هذه الآثار يعرفها سكان العالم، وتدرّس في جميع بلدان العالم، ويحج إليها الملايين سنويا، ومع ذلك "نحلبها ولا نسقيها"، حتى اكفهر وجهها، وجف ضرعها، لتبدو عجفاء.ألا تستحق الأقصر جزءا من ريعها فيعيد الحياة إلى جسدها القديد؟ شخص واحد فقط عرف قيمتها التاريخية، فتعامل معها كلوحة فنية، أو كتشكيل عملاق، غازله فبادله الهوى، وحين ضُبط متلبسا بعشقها، حكم عليهما بالتفريق.

إنه سمير فرج المثقف الذي كوفئت به الأقصر محافظا لها لمدة عام ونصف العام فقط، ورحل عنها مخلفا ركام ما صاغته يداه من جمال. لو أن الدولة التي نجحت في تسويق مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي بنجاح أسر العالم، أعادت اكتشاف "طيبة"، لجعلتها عاصمة دائمة لثقافتها، ولجعلت منها واحة للمؤتمرات والمعارض، علها تكون مجبرة على تجميل طريقها الذي يصل بين والمطار وقلبها المنكسر.

لو علمت حكومة مصر، قيمة الأقصر، لآمن المصريين بحضارتها الرابضة والدفينة على أرضها وفيها، لتنشط السياحة الداخلية، فتزدحم الفنادق العائمة، وتغص بالزوار المحليين بازاراتها ومطاعمها، وفنادقها المتفاوتة.

الزوار المحليون الذين ينفقون أكثر من سياح روسيا، وأوربا الشرقية، سواح مصر أكرم على الأقصر من السياح الأجانب، كما يقول أهلها الطيبون.
"تحيا الأقصر"
الجريدة الرسمية