رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا غضب السيسي؟


من منا لا يغضب عندما يتطاول الضيف على أهل البيت؟! ولكن نبل الأخلاق، والأصل الكريم يقتضي أن تتحمل الضيف بكل صفاقته.

إن أمريكا كلما حفرت للسيسي حفرة، رفعه الله بها درجة في قلوب المصريين والعرب والعالم، فحسن الخلق يرفع صاحبه.. إن جون كيري أساء إلى صاحب البيت 14 مرة، وفي كل مرة يحاول فيها جون كيري أن يستفز السيسي، وأن يخيف المستثمرين كلهم.


سأرصد لحضراتكم خمس نقاط فقط؛ كي نعيش اللحظات التي سيطر فيها السيسي على غضبه.

أولا: جون كيري أتى ليزرع بذور الشك في قلوب وعقول الحاضرين
لقد شكّك كيري في قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها الاقتصادية؛ ليصنع شبحًا يخيف به كل الحاضرين، ولذا فقد بادر بالعداء، محاولًا تشويه مصر في المؤتمر، عندما استخدم المضعفات الموجهة إلى مصر من خلال تكراره للفظ المثير للشك (إمكانية) أثناء حديثه عن إمكانيات مصر الاقتصادية (هناك إمكانية للابتكار، هناك إمكانية لجذب الاستثمار، هناك إمكانية لخلق أجندة الاستثمار المستدام)، وطالما أن هناك إمكانية، فنسبة المخاطرة موجودة وبقوة.

ثانيًا: جون كيري خاطب دول العالم ليحبطهم، وخاطب المصريين ليطفئ فرحتهم
ففي خطابه لدول العالم، عكس لهم أن مصر مشوارها طويل، من خلال استخدامه زمن المضارع في قوله: (إن مصر تحتاج أن تنمو بطريقة مستدامة)، ولكي يثبت صحة رأيه استخدم الإضافة المؤكدة، ليسبب إحراجًا للسيسي بقوله: (والرئيس السيسي يتفهم ذلك، وبالفعل قد اتخذ الخطوات المهمة بشأن الإصلاح الاقتصادي الكلي)، ثم عمد إلى إطفاء فرحة المصريين عن طريق رسالة مسمومة، تزعم أن أمريكا هي التي ترسم الخطة للدولة المصرية، وأن السيسي يسير وفقًا لها فقال: (والولايات المتحدة متحمسة لبناء هذا التقدم من خلال دعم مشاركة الحكومة مع المؤسسات الدولية). 

وبإشارة غير مباشرة، أوضح كيري أن السيسي سيرفع الدعم عن المصريين؛ ليحبط الشعب المصري، فقال: (دعم مشاركة الحكومة.. وزيادة الدخل من الضرائب، وتخفيض الدعم المكلِّف)، وهذا يعني أن المؤتمر الاقتصادي سيتطلب رفع الدعم عن المصريين، وهذا أمر محبط، ولكي يدلل على صحة مزاعمه استخدم زمن الفعل الماضي في قوله: (وقد وضح أن الرئيس السيسي قد أظهر ذلك بالفعل).

ثالثًا: جون كيري صدَّر صورة عن مصر التي تحبو
هكذا صدَّر كيري صورة عن مصر وكأنها تحبو، وبهذا فإنه يدعو مستثمري دول العالم إلى عمل مائة حساب وحساب قبل أن يضعوا أموالهم في مصر، ومن ثم فإنه جاء إلى المؤتمر حاملًا الغل والحقد على مصر فقال: (إن مصر تحتاج إلى أن تنفتح، والرئيس السيسي يستحق الإشادة لأنه عمل على تحسين المناخ العام في مصر)، وعلكم لاحظتم استخدامه للزمن المضارع في قوله (تحتاج)، وأيضًا الاسم الدال على المضارع (تحسين)، وكان من الممكن أن يقول: (لأنه حسّن من المناخ العام)، ولكن كيري لا يريد الخير لمصر.

رابعًا: جون كيري أتى ليصدِّر وساوسه الشيطانية، وليبث الذعر في نفوس المستثمرين
لأنه يقصد تخويف المستثمرين، فهذه هي المشاركة الأمريكية الحقيقية في المؤتمر، فما جاء كيري إلا ليفسد على السيسي والمصريين عرسهم، ولذا فقد استخدم كل ما من شأنه أن يقوي من طاقته السلبية من خلال الكلمات الغنية الدلالة المخيفة؛ إذ تحدث عن المخاطر التي افترض أنها ستواجه المستثمرين فقال: (الرئيس السيسي.. أعرف أنه سوف يتبع ذلك العمل الإضافي بتوفير قدسية للعقود، وآليات لتسوية النزاعات، وحماية حقوق الملكية الفكرية)، وهذا معناه أن مصر مضطربة متوترة سياسيًّا، وأن أول ما سيواجه المستثمرين هو الصدام مع الدولة، ولذلك لابد من قدسية للعقود، في إشارة غير مباشرة إلى أن الأمر في مصر قد يتغير برمته، وكأنه يعيش تخاريف الإخوان بعودة مرسي، ولذلك وجه بآليات لتسوية النزاعات، وحماية حقوق الملكية الفكرية، وكأن المصريين سيسرقون من أتى إليهم مستثمرًا. 

ثم يزيد من تخويف المستثمرين بقوله: (إن المستثمر الأجنبي يطلب الضمانات، ضمان أن الإصلاحات شاملة وطويلة الأجل، فلا يتضرر أحد أكثر من الشركات)، ثم كررها مستخدمًا ما يقابل أفعل التفضيل في قوله: (فلا يكون هناك ضرر أكثر من الشركات التي نحاول أن نجذبها).

خامسًا: جون كيري بكل تبجح يدعو إلى المصالحة مع الإرهابيين في مصر
بعد أن تحدث بكل صفاقة عن الشباب المصري، الذي يرى أنه مقهور وغير معتنى به في قوله: (الالتزام بتمكين الشباب للوفاء بأحلامهم، وللوفاء بطموحاتهم، وللوفاء بالنهوض بالحرية، وبمجتمع مستقل)، وكأن مصر غير مستقلة؛ لأنه يرى الشباب فيها غير حر، وغير ممكّن له، مع العلم أن لكل وزير في الحكومة أربعة مساعدين شباب!

إن النية الأمريكية هي بث روح الفرقة بين الشعب المصري ورئيسه، ولكن هيهات.. ثم يدعو كيري السيسي أمام المجتمع الدولي إلى المصالحة مع الفصيل الإرهابي، بما يعني أن أمريكا لم ولن ترى الإخوان إرهابيين، بل جعل نجاح المؤتمر متوقفًا على هذه المصالحة؛ حيث قال مخاطبًا السيسي: (يجب أن يكون هناك التزام متجدد للتمكين الكامل للرواد المصريين الشباب، وتوفير الفرص الاقتصادية الأوسع، ليس لبعض الشباب، ولكن لكافة المصريين، وإنني أعدكم مباشرة من الرئيس أوباما ومن إدارته بالالتزام الكامل من الولايات المتحدة)، وعلكم لاحظتم استخدامه عبارة (كافة المصريين).

حق للرئيس السيسي، أن يغضب وأن يتعامل مع جون كيري بهذا الفتور والضجر، ونحن معك يا رئيسنا في غضبك هذا.. ألف مبروك لمصر نجاح مؤتمرها.. تحيا مصر.
الجريدة الرسمية