رئيس التحرير
عصام كامل

اللي على البر عوام.. ولكن!


الخسة والخيانة ليس لهما حدود، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، أو على مستوى الداخل والخارج.. إن لكل دولة أعداءها وخصومها، ولن تعدم دولة في القديم والحديث من هؤلاء الإعداء والخصوم.. وكلما كان الدور الذي تقوم به دولة أو شعب أو مؤسسة عظيمًا، كان الاستهداف لها من أصحاب الخسة والخيانة كبيرًا وعميقًا.. ومصر على مدى التاريخ كان لها دورها الرائد والإستراتيجي، على المستويين الإقليمى والدولى، ومن ثم فهى مستهدفة، سواء لذاتها أو لدورها.. وبالتالى فإن الدول والشعوب العربية مستهدفة.. غنى عن البيان أن نهضة العرب تتوقف على نهضة مصر، ومن هنا كانت أهمية الحرص والحفاظ على مصر قوية وعفية وقادرة، ولا يتأتى هذا إلا بوحدة شعبها، وقوة وكفاءة مؤسساتها، جيشًا وشرطة وقضاءً وإعلامًا ومؤسسات مجتمع مدنى، كى تتمكن من النهوض والتقدم..


تحدث تفجيرات هنا أو هناك، وتقع عمليات اغتيال لضابط أو جندي، تابع للجيش أو الشرطة.. مع ذلك لم يضعف عزمهما أو يتراجع جهدهما..على العكس ازداد العزم وارتفع الجهد.. نعم هناك ثغرات، من حيث عدم توافر المعلومات الكافية أو اللازمة، أو ضعف الأداء، أو قصور في أعمال الحماية والتأمين، سواء للأفراد أو للممتلكات العامة والخاصة.. ونعم هناك تجاوزات تقع من الشرطة، ربما بسبب التوتر والعصبية الزائدة في بعض الأحيان، فمواجهة جماعات التكفير والعنف والإرهاب ليست عملا سهلا ولا هينا، وكما يقال في أمثالنا "اللى على البر عوام".. نحن نواجه أشرس وأعنف الجماعات، وأكثرها احترافية وخبرة ودراية.. ثم لا ننسى أن هناك دولا وأجهزة استخبارات (أمريكا، تركيا، وقطر) تمدها بالمال والسلاح.. مع ذلك، يجب أن نقر ونعترف بأن هناك الكثير الذي يتطلب من الشرطة عمله وهو إجراء مراجعات، فكرًا وفلسفة ومنهجية وأداءً، حتى ترتفع إلى المستوى المأمول.. بالتوازى مع ذلك، مطلوب إعلام يقظ ومتابع لكن ما هو موضوعى ومحايد، يكشف التجاوزات ويسلط الضوء على الثغرات، وأعتقد أن المنظمات الحقوقية الوطنية يمكن أن تقوم بدور لا يقل أهمية..

على المستوى العام، يمكن القول إن هناك تقدمًا، فالحياة لم تتوقف والأنشطة في المجالات والميادين المختلفة ماضية في طريقها.. نسافر عبر الفيافى والقفار، وفى أي ساعة من ساعات الليل أو النهار، ونحن آمنون.. لا يعكر صفونا هاجس أو خوف من عصابات أو قطاع طرق.. نمارس حياتنا بشكل طبيعى وعادى، ونأوى إلى مضاجعنا في بيوتنا ليلا ونحن مطمئنون على أنفسنا، وأهلنا، وأولادنا، وأعراضنا..لا نحمل هما.. الفضل في ذلك كله لجيش وشرطة بلادى.. أنا واثق وعلى يقين بأن جماعات التكفير والعنف والإرهاب سوف تنتهى أو بمعنى أدق تتراجع، على الأقل من ناحية المواجهة الأمنية، لكنها لن تتوقف من ناحية الفكر الذي ينتشر ويتمدد، وهو ما يفرض علينا مواجهة من نوع آخر، أقصد المواجهة الفكرية..

في أحيان كثيرة أشعر بأن الرئيس السيسي يفكر بمفرده، وأن من حوله ليسوا على المستوى المطلوب، فكرًا ورؤية إستراتيجية، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.. لقد تم تشكيل لجان وفرق استشارية معاونة للرجل فيهم علماء ومفكرون وأساتذة، كل في ميدانه، لكن آثارها لم تظهر بعد.. نريد أن نعرف: هل هذه اللجان أو الفرق تجتمع، أم لا؟ وهل تقدم للرئيس تصوراتها لحل المشكلات والأزمات، أم لا؟ وهل ثمة عوائق أمامها، وما هي؟ أم أن المشكلة ليست عندهم وإنما في التنفيذ؟ نعلم أننا نواجه أجهزة بيروقراطية تقتل أي فكرة مبدعة أو رؤية خلاقة.. ونعلم أيضًا أننا نواجه شبكة فساد متغلغلة في بطن وأحشاء المجتمع المصرى، وهو ما يهدر أي قيمة أو عمل أو جهد أو مال.. وهذه تمثل تحديات لا تقل شراسة وضراوة عن التكفير والعنف والإرهاب، فهل الرئيس السيسي قادر على مواجهتها؟
الجريدة الرسمية