رئيس التحرير
عصام كامل

طريقة أوباما في غسل عقول دول العالم (3)


أوباما المخادع، الذي يتلون حسب البيئة التي يخاطبها، ليتمكن منهم، ثم ينفث سمومه فيهم، مثلما فعل بنا في خطابه الأخير عن الإرهاب، الذي بدا عليه أنه يرتدي عمامة ويمسك بيديه مسبحة، رغم ما في هذا الخطاب من سموم لا يعلم خطورتها إلا الله، وهذا الخداع بسبب خاتمة خطابه القوية، لأنه وإدارته يدركون جيدًا أهمية صناعة الخطاب، ومدى تأثيره في الشعوب، وسنرى كيف نفث أوباما سمه لاستعداء الغرب على المسلمين، ومنه إلى خاتمته التي دغدغ بها مشاعر المسلمين.


لقد فصل أوباما العنصري في هذا الخطاب بين الدول الغربية بما فيها أمريكا، ودول الشرق الأوسط، وبالتحديد الدول الإسلامية، وجعل العالم نصفين، نصف يدافع عن الحرية وحق الحياة والتعايش السلمي، وهؤلاء هم الغرب.. ونصف يبحث عن الموت، ويسلب الغرب حق الحياة، وعنصري لا يدعو إلى حق التعايش، وهؤلاء هم الدول الإسلامية في الشرق الأوسط.

ليس هذا فحسب، بل صوّر أوباما للغرب أن المسلمين يتخذونهم أعداءً، وأن الغرب في حرب مع الإسلام، فقال:(رجال الدين الإسلامي لديهم مسئولية ليس فقط في التفسير المغلوط للأفكار الدينية، بل أيضًا محاولة توضيح هذا الصدام بين الحضارات، وأن الغرب والعالم يحاربون الإسلام، وأننا سبب كل الأمراض والسقام الموجودة في الشرق).

هكذا يبث سمومه في عقول دول العالم غير الإسلامي، ويحرضهم ضد المسلمين؛ ليكونوا في عداء معنا، فتخرج أمريكا كالشعرة من العجين من تهمة التآمر علينا وعلى دولنا في الشرق الأوسط، ومن ثم فليس اعتباطيًّا أن يستخدم أوباما مصطلح (صدام الحضارات)، هذا المصطلح الذي يعيد إلى ذاكرتنا خطة جمعية "ليكرا" الصهيوينة بعد عام 1982م، عندما استعانت بمنظّر البنتاجون (هنتجتون) في كتابه (صدام الحضارات)، الذي حدد فيه ما ستكون عليه الحرب العالمية الثالثة، التي ستكون بين اليهود والمسيحيين من ناحية، والمسلمين من ناحية أخرى.

وعلكم تتذكرون ما قاله شيمون بيريز، أمام جموع الصحفيين في واشنطن عام 1995م: (علينا أن نحاول إعداد أنفسنا للسحب الجديدة التي تحمل الخطر لسموات الشرق الأوسط، وهو التطرف الإسلامي الذي هو واحد من أخطر التحديات، إنه الخطر الأخضر الذي حل محل الخطر الأحمر – الشيوعية).

ومن ثم فلا عجب أن نرصد لأوباما استعداءه الغرب على الإسلام في هذا الخطاب، بعد جملته المعسولة: (ما من أحد منا سيكون محصنًا أمام أي انتقاد في السياسات)، التي اتبعها بعلاقة الاستدراك في قوله: (ولكن فكرة أن الغرب في حرب على الإسلام فهذه فكرة غير مقبولة أبدًا، ومسئوليتنا جميعًا أن ننبذ هذه الفكرة)، وهنا لم يحدد معالم هذه المسئولية؛ لتهيئة العقول الغربية لتقبل إستراتيجية أمريكا وسياساتها في الشرق الأوسط، وهنا يعطي لنفسه غطاءً شرعيًّا دوليًّا لكل ما ستتخذه أمريكا.

وبعد هذا السم الزعاف، استخدم الخاتمة القوية المؤثرة؛ ليظهر أمريكا أمام العالم أنها بلد التعايش والحرية وصديقة البشرية؛ حيث ارتدى زي الناصح الحكيم ذي القلب الرحيم بالبشر بقوله: (إن الكثيرين من الناس هنا في بلادنا لا يعرفون المسلمين، وبالتالي فإن صورة المسلمين تأتيهم عبر الأخبار فيحصلون على انطباع مشوه عن المسلمين). 

ثم يعمد إلى الرصد المعلوماتي بقوله: (هناك أكثر من مليار مسلم في العالم يمثلون الإسلام فعلًا، هناك أطباء، محامون، وأساتذة، ومدرسون، وجيران، وأصدقاء، وبالتالي علينا أن نتذكر هؤلاء المسلمين رجالًا ونساءً).

ثم سعى إلى التأكيد على تحقيق مقصده من دغدغة مشاعر المسلمين، فعمد إلى التناص القصصي بقوله:(الفلسطيني الشاب الذي يعمل لبناء الثقة مع الإسرائيليين، رجال الدين المسلمون الذي يعملون من أجل السلام مع القساوسة في نيجيريا وأفريقيا الوسطى؛ لإنهاء العنف والكراهية، قادة المجتمع المدني في إندونيسيا، والبرلمانيون في تونس الذين يعملون لبناء الديمقراطية، والهند أكبر تعداد للمسلمين، والرواد الاقتصاديون في ماليزيا، والمسلمون الذين خاطروا بحياتهم كدروع بشرية لحماية الكنائس القبطية في مصر، نحن جميعًا في نفس المركب، وعلينا أن نساعد بعضنا البعض، وستجدون شريكًا قويًّا فيّ أنا وفي الولايات المتحدة، شكرًا جزيلًا).

وهكذا اختتم أوباما خطابه المحرض على عداء الإسلام والمسلمين.
الجريدة الرسمية