رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

"كلب" الإعلام !!


المعادلة انقلبت بعد أن ارتفع سعر الكتاب.. فلم يعد في قدرة من يريد القراءة شراء كتاب يصل سعره 50 جنيها ويزيد، ومن معه المال ولديه القدرة على الشراء لا علاقة له بالقراءة أو الكتاب، حتى شراء الصحف صار قليلا، ومؤشرات التوزيع تتراجع بنسب غير قليلة بعد أن حرقت برامج التوك شو المسائية أخبار صحافة اليوم التالي من خلال تناولها السطحي عن طريق رأى مذيع أو مقدم برامج !


المعادلة انقلبت بعد أن تحول مصدر الثقافة من الكتاب والجريدة والمجلة إلى برامج هواء يغلب عليها الضجيج والخناق والتلاسن والسطحية، وأصبح الشغل الشاغل للمذيع هو تقديم الإثارة وجذب الاهتمام والبحث عن ضيوف من عينة نصف مثقف ونصف خبير ونصف متخصص، وحبذا لو لديه قدرات في التشنج ورفع الصوت والتلون والتجاوز تماشيا مع مقدم البرنامج !! لكن الأخطر هو الرسالة التي تخرج من الشاشة إلى المتلقي من موضوعات النقاش حيث لا وسيلة أخرى للمشاهد بعد أن هجر الكتاب وخاصم المطبوعات التي تعطيه الفرصة للتأمل فيما يقرأ.. لم نعد نسمع من يقول: قرأت هذا الكتاب مرتين أو ثلاث مرات، وأصبحنا نسمع فقط شاهدت هذا المقطع مرات ومرات بكل ما فيه من أخطاء واجتزاء للمعلومات !

الإعلام صار سلاحا رئيسيا وفتاكا من أسلحة حروب الجيل الرابع، وكان قبل ذلك سلاحا مساعدا في حروب ما قبل الجيل الرابع لذلك لا تخفى على أحد تلك الحالة من السباق المحموم على إنشاء قنوات فضائية وعلى تقديم برامج متنوعة بين الجادة والسطحية وكلها بلا شك تقدم رسالة مقصودة للمشاهدين ظاهرها المعلومة وباطنها التضليل، وظاهرها التسلية وباطنها التغييب، وظاهرها حب الوطن وباطنها تشتيت من يعيشون على أرضه، وظاهرها الانحياز للقيادة وباطنها تأليب الرأي العام عليها، وفي المجمل رسالة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب !!

صناع الإعلام يعرفون قيمته ويدركون حجم تأثيره ويعلمون حدود هذا التأثير في الوعي العام ولعل الفرق كبير وشاسع بين الرأي العام والوعي العام والثاني هو الأهم لأنه هو من يدير حركة المجتمع نحو التغيير سلبا أو إيجابا لذلك ليس صدفة أن نجد مثلا برامج مشهورة تقدم جرعات زائدة ومميتة من الدجل والشعوذة وحلقات الجن والعفاريت بحجة أنها حالات إنسانية تحتاج أن نلقي عليها الأضواء، وبرامج تتحدث عن الجنس والعلاقات الشاذة والعلاقات المحرمة على الهواء بحجة أن ذلك من قواعد الثقافة الأساسية في حين أن ذلك مكانه الكتاب لمن يريد أن يقرأ ويتعلم والدليل ما يتم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي من المقاطع تقف كلها في طابور العلاقات الشاذة والألفاظ الجارحة المثيرة للغرائز التي تخاطب كل الأعمار بلا ضوابط !!

وبرامج تتحدث عن المثليين وحقوقهم الغائبة التي يجب الحصول عليها، وبرامج المسابقات (حدث ولا حرج) اتصالات وتليفونات وتوتر وعصبية وانتظار الربح والفوز وليس مهما العمل والبحث عن فرصة حقيقية لزيادة الدخل.. الحكاية تليفون والإجابة معروفة ويخرج العفريت من الشاشة يقولك شبيك لبيك.. كسبت الآلاف بلا عمل أو جهد !

المعادلة انقلبت عن عمد ومع سبق الإصرار والترصد، ففي الوقت الذي تكون فيه وظيفة الإعلام هي التنوير وتشكيل وعي عام فاهم وقادر على مواجهة الأزمة التي يمر بها ويسعى للخروج منها بأقل الخسائر الممكنة.. يمارس كثير من الإعلام دورا مغايرا للواقع يدفع بالمشاهد إلى مناطق التغييب والترهل والتواكل وطمس الهوية وإحداث خلل في الأولويات بشكل عام، فنجد المجتمع يدخل في جدل كبير حول البنات الممسوسات ومذيعة البرنامج، وجدل حول مسابقة الراقصات العالمية، وجدل حول فيلم، وجدل عقيم غير مسئول حول كتب التراث الإسلامي والحديث النبوي من أنصاف فقهاء وشيوخ الشاشات، وجدل حول ( الكلب ) في ساعات بث مباشر على الهواء ونقل وقفات احتجاجية لحقوق الحيوان في ذات اليوم الذي سقط فيه بطل من أبناء القوات المسلحة شهيدا داخل أنفاق الغدر والخيانة، فبدلا من استضافة أسرته أو أحد زملائه يستضيف البرنامج أسر المتهمين في قتل الكلب !

كلب الإعلام أو كلب التوك شو رسالة مشفرة لعقل المشاهد يفكها كيف يشاء ويقرؤها كيف يشاء، وهي وغيرها من الرسائل التي تخرج من هذه البرامج ومن هذا الإعلام ليس الهدف منها نقل صورة في المجتمع كما يزعمون.. الهدف هو تسطيح الوعي وتغييب العقل الجمعي والانحراف عن هدف الإعلام الحقيقي في هذه المرحلة، وغالبا هو غسل الأموال مجهولة المصدر في هذا الإعلام !
m.elazizi@hotmail.com
Advertisements
الجريدة الرسمية