رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الصراع الإسلامي العربي


مع تطور الحركات المتأسلمة المستعربة من ماضيها إلى حاضرها يتجدد ويبرز مرة أخرى على سطح الأحداث الحالية فكر "الشُّعُوبيّة" المتطرف الداعي للأفضلية على كل ما هو عربي، وبالنظر إلى الحركات الأكثر شهرة وتأثيرا مثل القاعدة وخاصة داعش لم تخرج عن هذا النطاق الشعوبي في مستواها الفكري، مع إحساسهم بنعرة التميز والتفوق على أهل البلد الذي يحاربونه لمجرد اختلافهم في المذهب الديني والرأي السياسي.


مجموعة من المتأسلمين يقودها منطق الاستحواذ وفرض معتقدها وأيديولوجيتها الخاصة بالمذهب الديني والسياسي، وبسط نفوذها على الأرض العربية تحت غطاء ما كان يسمى بالربيع العربي.. وقد بدأوا مبكرا في سوريا ثم العراق، وليبيا.. ومؤخرا في سيناء.. ومن قبل في أفريقيا المسلمة فيما عُرف بجماعة بوكو حرام، وغيرها.

والخطورة هنا على المستوى الفكري للشعوبية في تبني أغلب العرب أنفسهم لها من منظور الاستعلاء بالتراث السلفي.. وهي تتبلور داخل الاستعلاء الذاتي بالنفس وبالمعتقد وبالحسب والنسب التي طالما تعامل بها العرب مع الآخر(العجم)، فمن الرحم العربي خرجت الشعوبية التي تعامل بها الآخر مع العرب بنفس منطقهم الاستعلائي.. الذي بدروه حصر الصراع العربي الجاهلي بين القبائل ثم الاقتتال الإسلامي السياسي القديم على النعرة الاستعلائية، وإبقاء الخلافة على هذا النهج داخل الأسرة الواحدة.. ليتم تأصيل وقبول إمكانية اقتتال المسلمين بعضهم بعضا بغية المكسب السياسي.

وفي ظل ديمومة هذا الفكر المنغلق سوف يتمحور الصراع في منطقة الشرق الأوسط صراعا "إسلاميا عربيا".. ولعل شاهد ذلك في الاقتتال الدائر الآن ما بين هذه الجماعات وبين بلادهم الأم.. كما في اليمن وليبيا ثم تصدير هذا للخارج كما المتوقع من السعودية في اليمن.. أو كما هى الحال في مصر التي تقود حربا قد تكون انتكاسة للمنطقة أو استرجاعا إلى صوابها.

وفي واقع الأمر كتنبؤ أكاديمي ستشهد المنطقة حالة احتراب "إسلامية عربية" من المحيط للخليج، حيث الكل يتصارع تحت راية الإسلام (أيا كان تصوره هذا عن مفهومه للإسلام).. وفي ظل هذا سوف تخرج إسرائيل من معادلة الحرب لحسابات أقل ما يتم توصيفها بقلة الوعي السياسي والفكري.. الذي عشش في عقول الجماهير العربية التي غضت البصر عن سرقة حراكها الثوري لتقبل بأنه ثورة إسلامية وتوصيل المتأسلمين لسدة حكم بلادهم بعد أن هتفوا في الميادين بـ"إسلامية إسلامية" ورفعوا علم القاعدة الأسود، وهو العلم الرسمي لكل هذه الحركات!

إذن نحن في المقام الأول أمام صراع فكري، وهو أخطر من الصراع العسكري.. والغلبة لمن امتلك الحجة ومواجهة الفكر بالفكر مع القوة؛ لأن تجربة الحروب وحدها لم تفلح معهم.. وخاصة تفوقهم الفكري المتغلغل والموروث داخل كل عقل وهوى المسلمين الضعاف والمستضعفين.

بلا شك أن القرار السياسي في بلادنا وخاصة مصر لم يكن على قدر المستوى الفكري لمواجهة هؤلاء عبر تاريخهم المختل منذ رشيد محمد رضا، بل أغلب قادة مصر (والسعوديين) آنذاك استغلوا هذا العقل السلفي طمعا في شعار الخلافة البراق لحكم الشعوب.. مرورا بالتغير الاستراتيجي غير الموفق الذي وقع فيه السادات ومبارك بالمهادنة وترك لهم ساحة الشارع الفكري لتشكيل وعي الناس، فضلا عن التغيب التام للأزهر الذي لا ينفصل بدوره هو الآخر عن تقديس النقل عن إعمال العقل وعبادة النصوص في عدم مراجعيتها وتنقيحها.

وعلى هذا يتحدد مصير الصراع الإسلامي العربي ومعركته الحربية بعد اكتسابه الغزوة الفكرية لصالح النقل السلفي على حساب العقل والتنوير.

Advertisements
الجريدة الرسمية