رئيس التحرير
عصام كامل

صديق السوء والخل الوفي


يا صديق عمرى يا صاحب ذكرياتى أنت كنز أيامى تحويشة حياتى
ومرايتى إللى بشوف جواها ذاتى وتواجهنى بعيبى تكشف سيئاتى

ده كان رأى الشاعر سيد حجاب، فى مفهوم الصداقة، لما كتب أغنية "يا صديقى" وغناها الفنان الكبير محمد قنديل، ويبدو أنه كان متفائلا جدا وطماع جدا، لما قال لصديقه

أدى إيدى مد إيدك، جرحى جرحك، عيدى عيدك، ود دافى، نبع صافى، شىء كأنه نيل
موافى، من وريدى ومن وريدك، ياصديقى مد إيدك.

لكن حكماء العرب قديما كان لهم رأى تانى فى الصداقة، عكس تماما شاعرنا الرقيق سيد حجاب، اعتبروا الخل الوفى من ثالث المستحيلات  التى ليس لها وجود مثل الغول والعنقاء، إلا فى القصص الخرافية والأساطير، ومن الأقوال المأثورة أيضا فى حسن اختيار الصديق "اختر الرفيق قبل الطريق، والجار قبل الدار"، فالصحبة الجيدة الآمنة والجيرة الطيبة، تهون من صعوبة طريق الحياة، أما الصحبة السيئة تفسد الحياة بأكملها، وتزيد من الإحساس بوعورة الطريق ومعها الإنسان هالك لا محالة.

فى الأيام القليلة الماضية، طالعتنا وسائل الإعلام بنموذجين، هم خير مثال على صديق السوء، ونقيضه الخل الوفى، وهما المدعوان" إسلام يكن"، و"ماكس" والذى شغل الرأى العام طوال الأيام والأسابيع الماضية، رغم اختلاف طبيعتهما، ونظرتهما إلى مفهوم الصداقة، ومدى تأثيرهما على حياة صديق كل منهما.

أولاً إسلام يكن الذى انضم لتنظيم داعش الإرهابى، وقرر أن يقود معه صديق عمره محمود الغندور، إلى طريق الهلاك.
محمود كان شابا رياضيا يعمل حكما لكرة القدم، وكان قدوته فى ذلك عمه الحكم الدولى الشهير جمال الغندور، والذى كان محمود يفخر به ويتمنى أن يكون مثله، ومحمود كان يعيش مثل كثير من الشباب فى سنه يحب الموسيقى ويسمع الأغانى الشبابية، ويهوى التمثيل، أوقعه حظه العثر فى صحبة ردية، صديق سوء كما يقول الكتاب، إسلام يكن الذى تعرف عليه محمود فى إحدى صالات الألعاب الرياضية، فاتخذه صديقا، ورضى أن يكون رفيق دربه، فحلل له طريق الشر وسمم أفكاره، وزين له الانضمام معه إلى ذلك التنظيم الإرهابى، فكانت جريمة قطع طريق للحياة الآمنة ، وتحويل للمسار السوىّ، من شاب رياضى يعشق الفن، الذى يغذي الروح ويثقل الفكر والعقل، إلى إرهابى كاره للحياة وللإنسانية كلها، فكان السقوط العظيم فى مستنقع الإرهاب ، بسبب صديق السوء ورفيق درب الندامة "إسلام يكن" سفير الشيطان ومبعوثه

ثانياً ماكس
الخل الوفى فى حياة محمد سيد أو " أوشا" صديقه المستحيل الثالث الذى قال عنه حكماؤنا العرب إنه لا وجود له إلا فى كتب الأساطير كان موجود وحىّ يرزق إلى أيام مضت فى منطقة الهرم وقاده حظه العاثر إلى صداقة دامت لمدة عام مع صديقه "أوشا" الذى كان يدربه ويعلمه، فصان الود والعيش والملح ، وراعى حقوق الصداقة والعِشرة بينه وبين صديقه، ورافق صديقه فى هذا اليوم المشئوم على طريق الموت، ودافع عنه عندما تعرض للهجوم، من قبل مجموعة بلطجية، فكان الامتحان الصعب لكلاهما، ونزل حُكم أعوان الشيطان عليهما بالقتل كالصاعقة، وقف ماكس وأوشا فى مواجهة بعضهما لأول مرة، لابد أن يضحى أحدهما برفيق دربه، من أجل أن ينجو الآخر بنفسه، وبما إننا جنس البشر نعتنق مقولة يا روح ما بعدك روح حسم "أوشا" الاختيار وسلم رفيق دربه للموت، وهو يبكٍ نذالته التى وضعته فيها خطورة الموقف، ولكنه شاب ويحب الحياة، ويملك حق الاختيار وفى استطاعته التعبير عن الألم والخوف من الموت، لكن ماكس كلب أخرس، يشعر ويتألم ولا يستطيع التعبير عن خوفه، ولكنه يملك الوفاء غير المتوفر لدى البشر، تقدم ماكس فداء لصاحبه، وتراجع أوشا ونجا بحياته ووقف يشهد تعذيب وقتل صديقه، وذُبِِح ماكس الخل الوفى، بعد أن ودع صديقه بنظرة قاتلة "سلام يا صاحبى".

إسلام يكن وماكس كلاهما كانا رفقاء درب، فى حياة صديق كل منهما، إسلام اختار طريق الموت، لصديقه محمود الغندور، فاستحق الاثنان أن يموتا بالنسبة لنا.
ماكس اختار طريق الموت لنفسه، لكى يحيا رفيق دربه فعاش فى أذهاننا
عذرا حكمائنا العرب" الخل الوفى" لم يكن المستحيل الثالث، بل كان كلب اسمه ماكس.

عفوا شاعرنا الكبير سيد حجاب، اسمح لى أن أهدى كلمات قصيدتك "يا صديقى" إلى كل صديق يملك وفاء ماكس وشجاعته، حتى ولو كان كلبا، فهو مستحق لكلماتك:

أصدقاء والود موصول فوق ظروفنا
مهما نبعد مهما طوفنا مهما شوفنا
فى ساعات شدتنا وقلقنا وخوفنا
تستعيدنى واستردك يا صديقى مد إيدك
الجريدة الرسمية