رئيس التحرير
عصام كامل

استر علينا وعلى مصر يا ريس!


وكأن هناك سحابة سوداء تغيب الرؤية عن كل من يحكم هذا البلد ويتولى أمور مواطنيه أو قل سكانه لأنها أكثر دقة وتوصيفا للواقع، لأن المواطنة لا تعرف طريقًا إليه ولكن هناك بعض الامتيازات الممنوحة لفئة الكبار فقط لكن... حتى وإن كان سكان هذا البلد مجرد أجراء مغتربين كسكان الإيجار الموقت، فإن لهم حقوقا وإن لم تكن لهم حقوق فيخشى غضبهم وانفلاتهم وغضبتهم المحتملة خاصة بعدما جربوها على مدى ثلاثة أعوام ويزيد.. لكن يبدو أن المسئولين مطمئنون أكثر مما ينبغى !


ربما كان اطمئنان السادة مرجعه إلى ملل الناس وزهقهم من عدم الاستقرار والانفلات الذي صاحبه هدر دماء كثيرة وحقوق أكثر لكن ما دام الموت هو النهاية الحتمية لهم فما الذي يمنعهم من الثورة أو قل الفورة وليدة الغليان... تماما كما يثور البركان ويفور ويلقى بحمم مشتعلة متراكمة منذ أزمان بعيدة، فلقد رضى المصرى سنوات طوال بفساد مبارك وبدولة الفساد نفسها وبضياع حقوق المواطنة والمساواة المنعدمة وتوزيع الثروات على المحاسيب والفاسدين وتوارث المناصب في إطار عائلى ضيق في مقابل أن الأمور كانت ماشية!!

ماشية بمعنى وجود فرص مسموح بها للحياة من أسعار معقولة وأطعمة شعبية بسيطة تسد رمق أغلب الشعب ومساكن بإيجار محدد متوسط، لكن مع بداية تغول جمال مبارك في الاقتصاد والسيطرة مع رجاله على كل شىء بداية من الأراضى ومصانع القطاع العام ونهاية بالفول والعدس وطعام السطاء، بدأ الحنق يسيطر على الكثيرين ممن لا سند لهم غير راتبهم الضئيل أو أجرهم اليومى المتناقص بفعل التضخم وارتفاع الأسعار... وانتهى ذلك بثورة لم تنجح لأسباب عديدة لا محل لتكرارها الآن، لأن الظروف الحالية تتكرر استنساخا وربما غفلة أو للاطمئنان أكثر من اللازم، وكأن جمال مبارك ما زال يحكمنا وكأن أحمد عز الذي تم حرمانه من الترشح للانتخابات التي لا قيمة لها هي ومجلسها القادم هو من يدير البلد احتكارا ولكن ليس فقط في الحديد بل في كل شىء من إعلام لاقتصاد لصحة لتعليم لكل شىء بلا مبالغة!

فمع حديث الرئيس الودى مع الشعب ومخاطبته بشكل يغلب عليه الطابع الأسرى و(الفضفضة) إعمالا بمقولة الرئيس السابقة أنه مواطن منهم وأتى ليرفق بهم بل وتكرار مقولته عن الرفق بالمصريين وإقرار العدالة الاجتماعيه، وجدنا في نفس اليوم الحكومة المتخبطة تتخذ قرارا غير مدروس وعشوائيا برفع سعر السجائر بشكل مبالغ فيه مما أثار حفيظة الكثيرين من مؤيدى الرئيس الذي تأرجحت بشدة شعبيته وانخفضت بسبب سياسات اقتصادية منحازة ضد الفقراء وأسباب أخرى دولية من حولنا نجح الرئيس في التخلص منها واستعادة جزء من شعبيته بالضربة الجوية  لمجرمى داعش لكن... تبقى ضرورة أن تصبح الحياة ( ماشية ) يا ريس !

وقد يقول الكثيرون إن السجائر سلعة غير ضرورية وكاتب المقال شخصيا يمقت التدخين ولكنها واقع على غالبية المصريين وكان يمكن رفع أسعار المستورد فقط ودعم الصناعة المحلية بالإبقاء على سعرها المرتفع من الأساس ولكنه البعد عن حياة المصريين وقياس كل شىء بمستوى دخل الأغنياء والوزراء وشلتهم فقط !

ثم كان ظهور السيد وزير المالية عقب حديث الرئيس الودى من طرف واحد مع الشعب ليسعدهم أكثر وليؤكد حديث رئيسه ورئيسنا عن العدالة الاجتماعية بزيادة أسعار البترول الذي انحفض عالميا لما دون النصف ولكنه سيرتفع على المصريين الأجراء فقط !

وإكمالا لمنظومة إثارة الحنق والتندر على حال هذه الدولة العجيبة، يكمل وزير المالية بشراه بزيادة أسعار الكهرباء أيضا.... لاحظ حدوث ذلك مع ظهور أعلى سلطة في الدولة تتحدث عن العدالة والرفق بالمصريين، فماذا إذن عن قهرهم وظلمهم ووقف حالهم بل واستحالة حياتهم...؟!

يا سيدى الرئيس تراجع عن تلك القرارات كما تراجعتم مؤقتا عن زيادة أسعار تذاكر المترو ولو لفترة ولو لعام واحد، أجّل البركان الذي سيثور يوما قريبا وكلنا نخشاه، استر على المصريين والوطن ربنا يسترك، المواطن الذي لا تراه ولا تشاهده في لقاءات الإعلاميين ورجال الاعمال وغيرهم يقول لك بكل صراحة، مفيش معنديش... نعم هو من يقولها هذه المرة وليس أنتم، يقولها في الأسواق ومواقف الميكروباص غير الآدمية وعلى المقاهى الرخيصة الشعبية وفي البيوت لكن لا يوجد من يسمعه، هؤلاء لا يملكون ثمن مكالمة تكلفهم قوت يومهم ليزايدوا بها على حب الوطن وحب الرئيس لأنهم ببساطة أولى بها من حفلات النفاق من أناس مترفين أو بالبلدى الصحيح (مبسوطين ) ماديا بالطبع... الوطن لا يتحمل ثورة ولا فورة ولا حتى مظاهرة تراق فيها دماء أخرى من دمنا الرخيص !
fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية