رئيس التحرير
عصام كامل

المأساة أنك دبلوماسي مصري.. أو كنت !!


خطف بصري العنوان ( مأساة عربية تتكرر.. مصر تضرب المدنيين الليبيين بطائراتها ) فدخلت إلى موقع (رأي اليوم) الذي يرأس تحريره عبد الباري عطوان لأقرأ موضوع العنوان الذي تصورت أن كاتبه غالبا لن يكون مصريا، صدمتني صورة كاتب المقال ليس لأنه يميل باتجاه جماعة الإخوان ولكن لأنه كان يعمل سفيرا لمصر، وكان ذات يوم رجلا دبلوماسيا يقدر معنى الكلمة ووزنها، وأن مثله لا يجب أن يطلق تصريحات بلا أدلة أو قراءة متأنية، حتى لا يكون مثل العوام من الناس الذين تقودهم عواطفهم قبل عقولهم.


السفير الأسبق إبراهيم يسري هو من كتب يقول (مصر تضرب المدنيين الليبيين بطائراتها).. هكذا يحكم بشكل مطلق على الضربة الجوية التي نفذها سلاح الجو المصري ثأرًا لذبح 21 مصريًا في ليبيا على أيدي تنظيم داعش الإرهابي جهارا نهارا في فيديو مصور فيه اعتراف لكل صاحب أذن يسمع وكل صاحب عين ترى، ومع ذلك يقول نصًا في مقاله (إن داعش تجري عملياتها في العراق وسوريا ولم يتأكد وجودها في أي مكان آخر ) وهذا إنكار لواقع تحدث به الجميع وأدانه العالم !

السفير يسري يرى قتل 21 مواطنًا مصريًا على الهوية مقصود به زيادة الوضع الداخلي المتأزم وإشعال نيران الفتنة والفوضى في مصر، ثم يقول بعد ذلك في نفس المقال إن دعوة مصر الدول الأخرى للمساعدة في القضاء على ما سمته إرهابا في ليبيا لا تسانده وقائع ثابتة ولا يؤكده واقع !! والسؤال يا سيادة السفير هو.. من قتل المصريين في ليبيا ذبحًا ؟ هل قتلوا أنفسهم أم قتلهم الشعب الليبي أم الشرعية التي تتحدث عنها هناك من أنصار الجماعة والمحكمة العليا !!

السفير يقول ( إن ليبيا دولة عربية ذات سيادة ولا يجوز لدولة أخرى التدخل في شئونها من أجل دعم انقلاب على الشرعية وحكم المحكمة العليا الليبي).. يبدو أن السفير لا يرى في الحكومة المنتخبة من المؤتمر الشعبي العام الذي جاء بانتخابات أي شرعية، وأن الشرعية الوحيدة هي تلك التي تختطف ليبيا في طرابلس وبعض مدن الغرب الليبي، ولا يرى اعتراف العالم ببرلمان وحكومة طبرق اللذين يسعيان لاسترداد الدولة، وأن النموذج الإخواني الذي كان في مصر وأسقطه الشعب المصري هو النموذج الحي أمامه رغم موته.

السفير قال في مقاله ( كما يخالف ضرب ليبيا بالطائرات ميثاق الأمم المتحدة الذي حظر نهائيا استخدام القوة لحل المنازعات الدولية وأوكل هذا الاختصاص لمجلس الأمن تحت الفصلين السادس والسابع من الميثاق، وقد تدخل الاتحاد الدولي من دول الغرب من كندا إلى استراليا شاملا الولايات المتحدة وأوربا وأخيرا الأردن ولكن بموافقة العراق وسوريا).. 

السفير لم يتابع ما قاله مندوب ليبيا ووزير خارجيتها في مجلس الأمن أن الضربة الجوية المصرية كانت بناءً على طلب ليبيا وبتنسيق كامل مع حكومتها وجيشها في الشرق، ولم يتابع أيضًا التنسيق الذي كان ومازال قائمًا بين الحكومة الشرعية في طبرق وبين مصر، ولم يتابع الزيارات المكثفة التي حدثت من الجانب الليبي إلى مصر، وربما يرى أن تدخل قطر وتركيا في الشأن المصري وفي ليبيا حق لهما بهذا المنطق !

السفير يقول (إن الغارة الجوية المصرية حدث مأساوي عربي في المقام الأول سبقنا إليه الرئيس العراقي عندما ضرب الكويت ) بما يعني أنه يرى تطابقًا بين ما فعلته مصر عندما وجهت ضربة انتقامية لداعش في ليبيا ثأرا لدماء الشهداء الذين خضبت دماؤهم الذكية مياه البحر وبين احتلال صدام للكويت، وهذه نتيجة لا يجوز لدبلوماسي مثله أن يستنتجها أو يقولها تحت أي توجه أو فكر منحرف.. والعجيب أن السفير الذي كان يعمل بالخارجية المصرية لا يرى أي حق لمصر في الدفاع عن نفسها وعن أمنها القومي، ولا يرى أي تهديد لمصر من البوابة الغربية، والأعجب أنه لا يشاهد ولا يسمع غير قنوات معادية لمصر تقول بالحرف ما يقوله.. مصر تضرب المدنيين في ليبيا..!

القضية كما قلت ليست في تعاطف السفير مع جماعة الإخوان ولا في تأييده لها.. المصيبة أن السفير يحسب نفسه من النخبة ويخاطب الناس من منبر يكره مصر وينتمي لفكر القاعدة ويطلق على هذا التنظيم الإرهابي الدولة الإسلامية، والمصيبة الأكبر أن يكون هذا موقفه من بلده الذي يخوض حربًا ضد الإرهاب الذي يهدده من كل جانب !! المأساة يا سيادة السفير أنك دبلوماسي مصري.. أو كنت !
melazizi@hotmapl.com.

الجريدة الرسمية