رئيس التحرير
عصام كامل

محلب ضلَّ الطريق في دبي


في أول أربع دقائق، وهو يلقي كلمة الحكومة المصرية، ضلّ رئيس الوزراء طريقه في دبي أثناء مشاركته في القمة الحكومية الثالثة، والتي شارك فيها أكثر من 4 آلاف مسئول حكومي من مختلف دول العالم. 

وليته يعلم هو وكل رجالات الدولة أن المتلقي يحكم على المتحدث من أول ثلاثين ثانية، وليتهم يدركون أن الإعداد الجيد لخطابهم هو مفتاح النجاح في إقناع الآخرين بما يقولون، ولعلهم يدركون أن افتتاحية الخطاب بمثابة حجر الأساس لعرضهم، فإن فشلت المقدمة فشل الخطاب، وعاد خائبًا.

بدأ المهندس محلب خطابه بخداع نفسه، عندما أقام علاقة تبادلية غير صحيحة بين الشعب المصري وحكومته بقوله لكل الحاضرين: (أتحدث معكم عن تجربة مصرية، تجربة شعب استشرف مستقبله، وحكومة تلبي طلب هذا الشعب في استشرافه للمستقبل). 

والسؤال: هل أنت موجود لتعبر عن تجربة الشعب أم تجربة الحكومة؟ وأي تلبية لبتها الحكومة للشعب؟ وهل دول العالم في معزل عما تقدمه الحكومة المصرية لشعبها؟ ألم يع بعد رئيس الوزراء أن الحكومة لم ترق لمتطلبات الشعب المصري؟!

ثم انتهج سيادته نفس نهج وزرائه في الصعود على أكتاف الآخرين، معتمدين على المخزون الإستراتيجي للسيسي عند الشعب المصري؛ فقال: ( إننا في مصر بدأنا خطة إصلاح اقتصادي تستهدف التنمية المستدامة واحتوائية للمجتمع كله؛ لتحقيق معدلات نمو، ولتقديم نماذج نموذج، اعتمد هذا النموذج على رؤية قائد وإرادة شعب).

علكم لاحظتم تلعثمه وهو ينطق كلمة (نموذج).. والسؤال: ما هي معالم هذا النموذج حتى يقتنع العالم الذي يشاهدك ويسمعك الآن؟ إن رئيس الوزراء اعتمد على وسيلتي التعميم والتعويم؛ محاولًا تغطية هذا الأمر باستخدامه الأكلاشيهات الاصطلاحية مثل (التنمية المستدامة – بناء نموذج – إصلاح اقتصادي). 

ثم قام باستنزاف الرئيس السيسي، عندما قال واصفًا الوضع المصري بـ (رؤية قائد وإرادة شعب).. والسؤال: ما دخل رؤية القائد في مؤتمر الحكومات؟ وما دخل الشعب الآن؟ كان الأولى أن تتحدث عن رؤية توضيحية للحكومة المكلفة من القائد، وهذا أسميه متاجرة باسم الرئيس السيسي.

المفاجأة أن رئيس الوزراء وهو ينطق بعبارة (احتوائية للمجتمع كله) نطقها بقوة نفَسِية ونبر قوي وإطالة في مدد الأصوات، وكأنه يبلغ العالم رسالة مفادها أن مصر تفتح يديها للمصالحة مع الإخوان، وهذا يعكس أن الحكومة مازالت مرتعشة، والسؤال: هل هناك تراخ من الحكومة لإدماج مَن خرّبوا البلد وما زالوا؟!

علمًا بأن انعكاسات هذه العبارة بالنسبة للإخوان، أن الدولة المصرية رهن إشارة منهم، ثم ظل المهندس محلب يتحدث عن الشعب المصري قائلًا: (استشرافه للمستقبل انعكس على استفتاء دستوره، وانتخابه لقيادته بشبه الإجماع، وعلى تقبله بإصرار لإصلاح اقتصادي كان من ضمن خطواته رفع الدعم الجزئي عن المحروقات والطاقة، وتقبّلها). 

وهنا أخل رئيس الوزراء بمبدأ الصلة، ونسي تمامًا أنه من المفترض أن يتحدث عن دور حكومته، لكنه أبَى، وتحدث عن الشعب المصري، وكأن الشعب مدان، وعليه أن يدفع عنه الاتهامات، ولذا فقد أضر كثيرًا بإدارة الدولة، خاصة عندما نطق جملة (وتقبّلها) بهواء قوي مندفع مع الهاء، بما يجعل دلالة اللفظ تعكس أن هذا الشعب الذي يفتقد رفاهيته وكثيرًا من أساسيات حياته شعب صبور!!! كل هذا في ظل غياب تام لدور حكومته، وكأنه ووزراءه يلبسون طاقية الإخفاء، وهذا معناه أن الحكومة مفلسة. 

كل هذا أمام العالم، وأمام حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم الذي جعل مؤشر رضا المواطن الإماراتي وسعادته معيارًا لقياس درجة كفاءة حكومة دبي!!!

ومن عدم التوفيق أن رئيس الوزراء استخدم الرصد المعلوماتي، واستفز شعوب الدول العربية التي وقفت مع مصر، وكاد أن يكون قد أحرج حكامها أمام مواطنيهم؛ عندما ذكر بفخر وتباه أن الشعب المصري (استطاع أن يبهر العالم بأن جمع 8.5 مليارات دولار في ثمانية أيام لقناة السويس). 

هذه حقيقة، ولكن لا ينبغي أن نكررها، وكأننا نقول لهذه الشعوب: إن شعب مصر قادر على تمويل أي مشروع قومي بالمال الوفير، وبناءً عليه فلا يجوز لحكومتنا أن تطلب أي دعم من أي دولة عربية، فماذا لو أن رئيس الوزراء قال الحقيقة مضيفًا إليها أن الشعب المصري تخلّى عن تحويشة عمره؛ ليقف مع رئيسه، ولم يتردد في أن يبادر بذلك في ثمانية أيام؟!

لم يقف المهندس محلب عند هذا الأمر فحسب، بل فجأة ارتدى زي عضو البرلمان، متخليًا عن زي رئيس الوزراء، وهذا كما يقولون "من نَكَدِ العيش"؛ إذ ظل يتحدث قائلًا: (إن رؤية الحكومة في استشراف المستقبل يجب أن تتبلور ببرامج زمنية واضحة ودقيقة)، والسؤال: إلى من توجّه هذا الكلام؟! المفروض أنّ عضو البرلمان هو الذي يوجهه إلى سيادتك وإلى وزرائك! ثم يقول: (حكومة تتابع... حكومة ملتزمة ومنضبطة... حكومة تتقبل النقد، تعترف بالأخطاء، وتعترف بأخطائها إن وجدت، ولا تتغاضى، ولا تدافع عن خطأ).

والسؤال: هل الحكومات وقت الحروب يكون شغلها الشاغل أن تكون منضبطة وملتزمة؟ أغاب عنك سيادة رئيس الوزراء أن تقول: حكومة مبدعة؟! ولعلكم لاحظتم أن سيادته تحدث عن الأخطاء والقصور، ولم يتحدث عن الإيجابيات والمجهودات، وكأنه يَمُنّ علينا وعلى الحاضرين أن مصر أصبح بها حكومة تعترف بالأخطاء – إن وجدت!!! وهنا أتذكّر مقولة لمحمد بن راشد آل مكتوم: "الحكومات هي أوْلى من غيرها بتبني منهج الإبداع؛ فالإبداع في الحكومة يطوّر خدمة، ويبني إنسانًا، ويعمّر دولة... الحكومة المبدعة هي حكومة حيّة، تنمو وتكبر وتتطور"... مرة أخرى هذا تحليل لأربع دقائق فقط.

الجريدة الرسمية