رئيس التحرير
عصام كامل

غول البطالة وعجز الحرفيين


«البطالة» غول مخيف يأكل عقول الشباب، فتتحطم أحلامهم، تجعلهم يرون الغد مظلما، وتحولهم لسلبيين لا مبالين بواقعهم في أحسن الأحوال، أو مدمنين للمخدرات، أو ربما مجرمين في أسوأ الأحوال، وبينما اتجاهات العالم كله في الأسواق العالمية وفي الدول الاقتصادية الكبرى هي العمل الحر، يبقى المثل «إن فاتك الميري اتمرمغ في ترابه» هو المسيطر على عقول الشباب، ورغم أنه لا توجد إحصائية رسمية حتى الآن تحدد مقدار ما تم «النصب» فيه على المواطنين المصريين تحت وهم التعيين الحكومي!.. إلا أنني أعتقد أنه عشرات الملايين، وهذه المعادلة الصعبة يجب أن يكون لها حل جوهري على أرض مصر.


في دول العالم يخضع سوق العمل لرقابة وقوانين صارمة، حتى أن تقرير البنك الدولي الصادر في ديسمبر الماضي الذي يحمل عنوان: «الأولوية في مصر.. توفير وظائف أكثر وأفضل»، الذي يقع في 222 صفحة، كان ينبه إلى خطورة تزايد الوظائف غير الرسمية في القطاعات الخاصة، ورغم أني لا أثق كثيرا في البنك الدولي، إلا أنني أعتقد بصواب ما يطرحه حول قضية «رسمية الوظائف» في القطاع الخاص، فهو يرى أن حتى الوظائف في العمل الحر يجب أن يكون لها ضمانات قانونية بحيث يصبح للعامل حقوق على الشركات الخاصة من تأمينات ومعاشات وغيرها، وبحيث تكون الدولة رقيبا على هذه العمالة وضامنا لمستحقاتها لدى شركاتها، ورغم أن التقرير يتابع على مدى زمني طويل يصل لقرابة المائة عام في قطاع العمل الحر، إلا أنه ينبه إلى خطورة اتساع الاعتماد على التوظيف غير الرسمي – يقصد التوظيف لعمالة بدون أي حقوق أو مستحقات – بما يصل الآن لـ 80% من مجمل العمالة في سوق العمل غير الحكومي، بعكس ما كانت هذه النسب في السابق نحو 40% في 2005م مثلا.

بالطبع يتجاهل التقرير المتغيرات الأخيرة في مصر، وما تواجهه من حرب على الإرهاب، وتأثير ذلك على الاقتصاد، ويوجه خطابه للدولة فقط دون مخاطبة رجال الأعمال أنفسهم، لكنه يفتح العديد من الموضوعات التي يمكن أن تكون ورقة عمل لإصلاح السوق المصرية، مثل علاقة التداخل بين الموظفين في القطاع الحكومي والخاص، وشكل وأنواع العلاقة بين القطاع الخاص والدولة وغيرها.

المشكلة الجوهرية التي تواجهها مصر، هي حالة التصدير للصورة السيئة في الوضع المصري، وهذا هو الشغل الشاغل من قبل التنظيم الدولي خارج مصر، وهو ما يعني أن مصر تبذل جهودا خارقة من أجل استقطاب الاستثمارات، ومن ثم الحديث عن حقوق العاملين في أي بلد في العالم، يقابل بتخوف من المستثمرين، وفي مواجهة هذه المعادلة الصعبة أرغب في تناول قضية مهمة، قضية الحرف اليدوية والأعمال التراثية القابلة للانقراض، فعن نفسي لا أذكر أني وجدت أبدا أي عامل «صنايعي» بلغة الشارع، يستطيع أن يستوعب ما لديه من عمل، وأن يؤديه في وقت وكفاءة يوفر على طالب الخدمة الوقت والجهد، بل دائما ما يشكو الحرفيون من نقص العمالة، كيف يمكن أن نفهم هذه المعادلة الصعبة من شكوى مرة من البطالة، في الوقت نفسه هناك نقص شديد في الحرفيين؟

نحن بحاجة لقانون ينظم العمل للحرفيين، وينظم أجرهم أيضا، ويوفر لهم ضمانات حقيقية في الحياة، حتى على الأقل لا يحسبون أنفسهم في عداد البطالة ويزاحمون غيرهم في وظائف ثانية من ناحية، وحتى نشجع التوجه للقطاع الخاص من ناحية أخرى، والأهم توفير المراكز المعتمدة التي تخرج حرفيين على قدر متغيرات العصر فيما نتحاجه فيهم من مهارة.
الجريدة الرسمية