رئيس التحرير
عصام كامل

بشير عياد يكتب: حكايات الموت الإكلينيكي لـ «ماسبيرو».. تعمد لإهدار المال العام وحرمان الجمهور من ذاكرته وتاريخه..أعدت 31 لحنًا ممنوعًا ورفض الأمير مقابلتي وتحججت رئيس الإذاعة بـ «البرد&


هذه واحدة من حكايات الموت الإكلينيكي التي يعيشها اتحاد الإذاعة والتليفزيون برئاسة عصام الأمير، وتشاركه البطولة ـ فيها نجوان قدري (التي تقوم بدور رئيس قطاع الإذاعة)، يرويها لكم الكاتب والأديب بشير عياد، الذي كان شاهدا على كافة تفاصيلها لحظة بلحظة، ليدرك الجميع كيف يسعى هؤلاء من أجل الشو الإعلامي فقط، ومن أجل الرواتب والحوافز والمكافآت والبدلات، وليذهب المستمعون والمشاهدون وتراث الأمة إلى الجحيم.


بداية القصة كانت بشراء الأستاذ ولي الدين الرفاعي (رئيس مجلس إدارة شركة الشرق الأوسط للصوتيات ــ موجي فون)، حقوق استغلال عدد كبير من الألحان، من الموسيقار محمد الموجي والموسيقار محمود الشريف وبعد وفاة الموجي والشريف (وآخرين) آلت حقوق هذه الأعمال إلى الشركة، وكان ولي الدين الرفاعي قد أنذر اتحاد الإذاعة والتليفزيون (قبل فوضى الفضائيات) بعدم إذاعة الألحان التي يمتلك حقوق استغلالها، ولكن الاتحاد لم يستجب.

فاضطر إلى إقامة دعوى قضائية مطالبا بوقف عدد من الألحان (81 لحنا) وبدأت رحلة التقاضي منذ أكثر من عشرة أعوام، وصدر الحكم النهائي في القضية رقم 1031 لسنة 1 ق عن المحكمة الاستئنافية الاقتصادية بتاريخ 12 نوفمبر 2012، ثم حكمت محكمة النقض في الطعنين المقامين على ذلك الحكم بتاريخ 22 يونيو 2014 وأصبح الحكم نهائيا وباتا، أي لا يقبل الاستئناف من أية جهة أمام أية محكمة، ثم تم تنفيذ الحكم فعلا، وتم منع بث إحدى وثلاثين أغنية عاطفية لفنانين كبار على رأسهم محمد عبد المطلب ونجاة وشادية وصباح.

ولم يستطع أهل القانون في ماسبيرو فعل شيء، فالرجل يملك حقوق استغلال هذه المصنفات، وهو رجل قانون بارع، ولا يتحرك خطوة واحدة عشوائية، ولذلك اطمأنت المحاكم (بجميع درجاتها) إلى ما قدمه، وصولا إلى تأييد الحكم من محكمة النقض ذاتها، وربما تعامل جهابذة القانون بماسبيرو مع الرجل بنوع من الغرور أو الاستهانة والتعالي.

ولم أكن أعلم بالقضية، ولا بالحكم، ولا بالمنع، وبالصدفة البحتة شاهدت تحذيرا شديد اللهجة للمذيعين من إذاعة هذه الأعمال، إذ كنت على الهواء بإذاعة الأغاني، 15 يناير 2014، في ذكرى رحيل الشاعر الكبير عبد الوهاب محمد، وبعد انتهاء اللقاء، وقعت عيني على هذا التحذير على حائط ستوديو 12، ولهول الصدمة لم أستطع استكمال القراءة، وبعد أن قرأت التحذير صرخت في الموجودين: مَن الذي فعل هذا؟ وكيف؟ ومَن الذي أصدر القرار؟ لم يجيبوا، فلم يكونوا يعرفون سوى أن الذي أصدر القرار هو عبد الرحمن رشاد رئيس الإذاعة السابق!.

نزلت من الإذاعة ليلتها وأنا أغلي، ثرت وكتبت على صفحتي بالفيس بوك، فاشتعل الفيس بوك بالردود، وحاول كثيرون معرفة التفاصيل مني، فكنت أقول: ليس المسئول بأعلم من السائل، وبعد يومين توصلت إلى رقم تليفون الأستاذ ولي الدين الرفاعي، فطلبته، عرّفته بنفسي، وأطلقت تساؤلاتي الحائرة، وجدتني أمام رجل عظيم الوطنية، عميق الإحساس بالمسئولية ومخاطر اللحظة الراهنة، ووجدته بحرا في القانون فهو ينتمي إلى عائلة لها تاريخ في حقل القضاء والعدالة، وعمه الراحل العظيم شيخ القضاة المستشار يحيي الرفاعي (الضمير الثائر)، وظللنا نتواصل تليفونيا حتى الثلاثاء 20 يناير.

وبعد أن اطمأن لي قال: ما المطلوب ؟ قلت: تصريح لاتحاد الإذاعة والتليفزيون ليذيع على القنوات والإذاعات الرسمية ما تم حرمان الناس منه، رد في لحظة: أنا جاهز بالتصريح منذ فترة، قلت: أشكرك كثيرا، وأرجو أن ترسل التصريح مع محاميك الخاص، أو أحد مساعديه لتنهي الحظر في أقرب فرصة، قال: إن شاء الله.

بعد قليل طلبني، ثم تلا نص التصريح، صفقت له وشكرته مرة أخرى، لكنه فاجأني قائلا: أنا اطمأننت إليك، فما رأيك في أن تقوم بمهمة تسليم التصريح لرئيس الاتحاد لتكون شاهدا؟ قلت له: هذا كثير، لكنني لن أتردد في ذلك، قال: فلنلتقِ غدا، وطلب أن أحدد المكان الذي أريد وليس الذي يريد، فاخترت "دار بورصة الكتب" لأنها بوسط البلد وبالقرب من الجراج الذي يترك فيه سيارته.

وفي الرابعة من مساء الأربعاء 12 يناير سبقني الرجل إلى الموعد والمكان، جلسنا ثلاث ساعات ونصف الساعة، حكى تفاصيل من الصعب سردها (احتراما لثقته بي)، وفهمت منه ما لم أدرسه في كلية الحقوق حول قوانين حق الملكية وتفاصيلها وسراديبها، ومن خلال ذلك اللقاء الطويل لمست منه ذلك الحس الوطني المحترم، وهو أنه آثر أن يمنع الألحان العاطفية فقط (لإثبات حقه ورد اعتباره) ولكن لم يشأ أن يمنع الألحان الوطنية التي تمثل -كما قال- جزءا عزيزا من ضمير الوطن وتاريخه ووجدان شعب مصر العظيم، وعندما بدأ سرد تلك الألحان صعقت، إذ يمتلك حقوق استغلال "يا أغلى اسم في الوجود يامصر"، والنشيد الخالد "الله أكبرُ فوق كيد المعتدي"، و"دع سمائي فسمائي محرقة"، "مصر مقبرة الغزاة"، وقال لي: كيف أنظر لنفسي في المرآة لو منعت هذه الأعمال؟

طلبت من الأستاذ عادل متولي -مدير دار النشر- أن يتكرم بالتقاط عدة صور لنا فقد شعرت أنني أمام كنز وطني، وأعطاني الأستاذ ولي الدين ثلاثة أصول من التصريح الذي وقعه أمامي، نسخة للسيد رئيس الاتحاد، ونسخة ليوقع عليها رئيس الاتحاد بما يعني أنني قمت باللازم، ونسخة لي شخصيا احتراما لموقفي ونوعا من التعبير عن التقدير والثقة، وكدت أطير إلى مبنى ماسبيرو لتسليم التصريح، بل تخيلت سيناريو نقوم فيه بإذاعة عدد من هذه الألحان لمدة ساعتين أكون فيهما مع أحد مذيعي إذاعة الأغاني المتميزين لنهنئ الجمهور ولنشكر الرجل على موقفه العظيم، ولنطالب الآخرين بأن يفعلوا مثله، والآخرون الذين أعنيهم أولئك الذين سرقوا نصف تراثنا من مكتبتي الإذاعة والتليفزيون، لنقول لهم: هذا رجل يصرّح بما يملك احتراما للشعب العظيم، فلتعيدوا ما سرقتموه ولا تخافوا فأنتم لا تملكون.

لكن خاب ظني ونلت صدمة عنيفة في اليوم التالي، ففي يوم الخميس 22 يناير، ذهبت إلى مكتب رئيس الاتحاد الرابعة عصرا، وجدته محاطا بمجموعة من الجدران البشرية، أخبرتهم بما أنا قادم بسببه، ظلوا يتخاطبون بالأعين، ثم قالوا: اتركه في السكرتارية، قلت: لا: هذا موضوع وتكليف شخصي لا يقبل المعاملة الروتينية، قالوا: لا بد من موعد مسبق، قلت: أخبروه بالتليفون أن فلانا موجود ويحمل كذا، قالوا: لا نستطيع، ممكن تكلمنا بعد نصف ساعة،، نزلت (من الدور الثامن) وجلست بأحد مكاتب الإذاعة، وظللت أتصل كل نصف ساعة حتى سقط وجهي من الخجل، تركت لهم رقم تليفوني المحمول وهممت بالانصراف (في السابعة والنصف) لكن خطر ببالي أن رئيسة الإذاعة (نجوان قدري) تعرفني جيدا، وربما تأخذ بعين الاعتبار والتقدير هذا الصنيع الذي قام به هذا الرجل....
دخلت للمذكورة، ففوجئت بها غير مكترثة، ناولتها التصريح،، قرأته ببطء وبامتعاض، ثم التفتت ناحيتي قائلة:" ليه ما أرفقتش بيان بالأعمال الممنوعة؟"، قلت: الأعمال في ملف القضية لديكم، وهي تطرّز جدران ستديوهات الإذاعة !! قالت: " لا،، أنت تروح تجيب لي كشف بالحاجات دي وترفقه بالتصريح ده، وأنا أسلمه للأستاذ رئيس الاتحاد و...... معلش أصلي مرهقة وعندي شوية برد" !!!

كان ينبغي أن أرد عليها بما يليق بردها وفهمها القاصر.. بلعت غضبي إذ كان المبنى كله يفوح برائحة القلق بسبب الاستعداد لسيناريوهات 25 يناير، فمشيت، وقلت: سأعطيهم الفرصة أسبوعا، ثم أستأذنُ الرجل صاحب الحق -الأستاذ ولي الدين الرفاعي- وأتقدم ضدهما -عصام الأمير وتابعته نجوان قدري- ببلاغ إلى النائب العام أتهمهما فيه بتعمّد إهدار المال العام وحرمان الجمهور من ذاكرته وتاريخه وفنه الأصيل، ولكن ما لبثنا أن دخلنا في مأساة مذبحة العريش، فقلت: لا ينبغي أن تضيع صرختي في وسط هذه المأساة الأضخم، ثم جرّني ـ بشكل شخصي ـ اهتمامي بالعرس السنوي (معرض الكتاب)، وفي قلب المعرض ـ الإثنين 9 فبراير ـ فوجئت باتصال غضب من الأستاذ ولي الدين الرفاعي متسائلا: لماذا لم تتصل بي من يومها؟ ولماذا لم ترد منذ قليل؟ حكيت له القصة، أصابته صدمة، وأبلغني بغضب أبناء الموجي لعدم إذاعة ألحان أبيهم لشادية في عيد ميلادها الذي احتفلت به الإذاعة، كما أخبرني بانزعاج الموسيقار الكبير محمد سلطان لعدم إذاعة هذه الأعمال، ثم طلب مني أن أتصل بالأستاذ سلطان لأخبره حتى يهدأ، ولكي يعرف أن ولي الدين قام بما يليق، كما علمت بغضب اللواء مجدي مرسي جميل عزيز -نجل الشاعر الكبير- الذي أضيرت أشعار أبيه التي لحنها الموجي والتي لحنها محمود الشريف ولم تعد تذاع، فاتصلت بالأستاذ محمد سلطان وحكيت له ما حدث، اندهش واستغرب وقال لولا أنك محدثي لقلت هذا خيال في خيال، ثم كلمت صديقي الموجي الصغير وطلبت منه أن يعتذر لأختنا غنوة وأختنا ألحان الغاضبتين جدا لعدم إذاعة ألحان أبيهما الموجي العظيم، وأخبرت الجميع أنني لن أتردد في رفع الأمر إلى النائب العام لاتخاذ ما يلزم تجاه هؤلاء المتكاسلين، ولأطالب -إعلاميا- بإعادة منصب وزير الإعلام، فالجلباب واسع لأقصى درجة على عصام الأمير، ولا بد من إنقاذ سمعة الإعلام المصري بسرعة بالإتيان بوزير ذي خبرة وتجارب وصاحب رؤية، وتخليص مبنى ماسبيرو من كل الحمولات والأعباء الزائدة هذه التي أنهكته وجعلت إعلامنا الرسمي في حضيض الحضيض، لكنني سأكتب من خلال كل منابري الصحفية لتكون كتاباتي هذه شهادات براءة، وشهادات تقدير وإعزاز للسيد ولي الدين الرفاعي، وسأعتبر كل ما أكتبه بلاغات للرأي العام، وبلاغات للنائب العام، ورسائل بعلم الوصول لكل الشرفاء والمطحونين بمبنى ماسبيرو، أولئك الذين يعملون تحت ضغوط لا يتحملها بشر، وينفذون أوامر آخرين ما كان يليق أن يمروا، مجرّد المرور، من أمام مبنى ماسبيرو!!


الجريدة الرسمية