رئيس التحرير
عصام كامل

بوتين والسيسي يقودان العالم


هكذا كشف واقع خطاب الرئيسين؛ حيث وضعا رؤية إستراتيجية لواقع الشرق الأوسط بما يخدم دوله، محطميْن آخر ما تبقى من مطامع لتفتيته، فهذا هو الخطاب المناسب في التوقيت المناسب، وإليكم تحليلًا موجزًا لأهم ما جاء فيه:


أولًا: السيسي أوقف رؤساء العالم أمام المرآة؛ ليريهم حقيقة أنفسهم:
بدأ السيسي خطابه كممثل للشعب المصري، عندما وجه التحية لبوتين بقوله "خالص مشاعر الصداقة والتقدير التي يكنها (المصريون) لفخامته ولدولته ولشعبها الصديق".
ثم تعامل بذكاء شديد عندما استخدم علاقة التخصيص الموضحة لزيارة بوتين؛ إذ قال: "تأتي لتؤكد على موقف روسيا المتضامن مع مصر في حربها ضد الإرهاب"، ومن ثم فإن أي دعم عسكري روسي لمصر سيكون من باب مكافحة الإرهاب، وبناءً عليه فإن كل دولة لم تأت إلى مصر داعمة لها في حربها على الإرهاب، إنما هي متشدقة تخدع شعبها.

ثم يضع السيسي العالم أمام نفس المرآة عندما استخدم علاقة الإضافة في حديثه عن أسباب الزيارة بقوله: "ولتضيف إلى ما شهدته زيارتي لروسيا من تعزيز للعلاقات على مختلف الأصعدة"، وهنا تلميح سيسي إلى أهمية الوفاء بالوعود، أفعالًا لا أقوالًا.

ومن ناحية أخرى، فإن السيسي أعلى من قدر بوتين عالميًّا في ظل الحصار الأمريكي، موضحا أن بوتين جاء ليقف ضد الإرهاب، وهذا تبرئة لساحته أمام الرأي العالمي.

ثانيًا: بوتين والسيسي يعتمدان على ظهيريهما الشعبي:
اتفق الرئيسان على مخاطبة شعبيهما أولًا، فلا قوة لرئيس ليس له ظهير شعبي، ولذا فقد بدأ السيسي خطابه بتقديم صورة مجملة عما ستقدمه روسيا لمصر من خدمات عسكرية وصناعية وتجارية وسياحية؛ لأن لغة المصالح المشتركة هي التوجه الأول للشعوب، خاصة التي مازالت تعيش أيام النفاث.. وكذا أيضا بوتين الذي قدم صورة شبه مفصلة عن المشاريع الضخمة التي ستنفذها روسيا على أرض مصر، وبهذا فإنه يفتح سوقًا كبيرة لشعبه في أكبر دولة في الشرق الأوسط.

ثالثًا: كل منهما يكمّل الآخر:
تحدث السيسي في ثلثي خطابه الأولين عن مصر، وما تم توقيعه، ثم في الثلث الأخير تحدث عن مجمل الأوضاع الإقليمية والعالمية.. في حين أن بوتين تحدث في ثلثي خطابه الأولين عن اتفاقيات الزيارة، ثم تحدث في الثلث الأخير عن سوريا؛ إذ أن السيسي نأى جانبًا عن الحديث باستفاضة، جاعلًا سوريا في ذيل قائمة أولوياته؛ حتى لا تكون شهادته مجروحة نظرًا لحالة الالتباس، هل هي ثورة أم اختطاف دولة؟.. ولذا فقد استكمل بوتين الحديث عن سوريا، مفردًا لها وقتًا خاصًا؛ فجنب مصر مزايدات ربما استغلت لو أن السيسي عبر عن انحيازه لطرف دون آخر.

رابعًا: بوتين والسيسي يحطمان المطامع الأمريكية في تفتيت الشرق الأوسط:
تم التأكيد على خريطة الشرق الأوسط دون تفتيته، وذلك من خلال تأكيد السيسي على أن محاربة الإرهاب يجب أن تكون بتضافر الجهود الدولية، معولًا على ضرورة القضاء على البيئة الحاضنة للإرهاب من خلال المحاربة الفكرية، وهذا لن يكون إلا بحل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، وعاصمتها القدس الشرقية، وقد نطقها السيسي ببطء ومزيد من النبر؛ ليعكس إصراره على هذا المطلب.. ثم استخدم المقوي المعجمي المتمثل في كلمة (ضرورة) عندما تحدث عن سيادة ليبيا ووحدة أراضيها؛ لأن الوضع الليبي يمس مصر مباشرة وعن قرب شديد، ولذا استخدم كلمة سيادة؛ لأنه أمر لا مناقشة فيه.

أمّا مع العراق فقد استخدم كلمة (ضمان)، بما يعكس أن أطراف اللعبة في العراق بيد قوى دولية، وعندما تحدث عن سوريا استخدم كلمة (الأطراف السورية) حتى لا يصبح ممن يتدخلون في الشئون الداخلية للدول، أما عندما تحدث عن اليمن قال (أكدت للرئيس بوتين) بما يعني أن هناك معلومات أضافت أبعادًا للرئيس الروسي، ولذا فقد ربط السيسي بين وحدة وسلامة أراضي اليمن واستقرار المنطقة.

خامسًا: السيسي وبوتين يتحديان أمريكا بضربتين قاضيتين إن صحّتا:
الضربة الأولى: عندما تحدث السيسي بالتوافق مع بوتين، ومعتمدًا على المعطيات للإقناع والتأثير عن حاجة العالم إلى تطوير نظام دولي أكثر ديمقراطية وعدلًا وأمنًا لكافة الدول، في إشارة واضحة إلى أن أمريكا التي تدعي أنها راعية للديمقراطية فشلت في تحقيقها، وأصبحت ظالمة وغير مأمونة العواقب على الدول، وهنا صدر فيتو روسي مصري لتوجهات أمريكا السياسية.

الضربة الثانية: عندما استخدم السيسي تقوية المنطوق الموجه للمحتوى، عندما تحدث عن (الحاجة الملحة لإقامة نظام اقتصادي دولي أكثر عدلًا وإنصافًا)، وهذا فيتو آخر روسي مصري ضد ظلم الممارسات الاقتصادية الأمريكية، ومن ثم فإن هذا الخطاب بمثابة الإعلان عن ميلاد تحالف دولي جديد يتخذ من العدل والإنصاف منهاجًا، وعلى من يرغب في الانضمام فإن مصر وروسيا تمدان أياديهما.

سادسًا: السيسي وبوتين يرتديان زيهما الحربي المخابراتي:
لأنهما يعرفان حقيقة الأمور فقد ارتديا زيهما الحربي المخابراتي، وعلى وجه الخصوص السيسي، الذي استخدم وسيلتي الإجمال والإبهام عندما تحدث عن الاتفاقيات بقوله (عدد)؛ حيث جاءت نكرة مبهمة، علمًا بأن عدد الاتفاقيات معلوم للطرفين، ولكن هناك ما يمكن الإفصاح عنه، وهناك ما لا يمكن الإفصاح عنه، وسبق أن أشار السيسي إلى هذا التوجه في لقائه على قناة السي بي سي عندما كان مرشحًا.

سابعًا: المؤتمر الاقتصادي برعاية القوة العظمى روسيا:
كم هو موقف روسي ثابت ومشرّف وواضح تجاه قضايا المنطقة، فهذا هو الرئيس بوتين يعبر بالأفعال لا بالأقوال، وكان أول المفتتحين والمبشرين بنجاح المؤتمر الاقتصادي بطرحه هذه الاتفاقيات الاقتصادية قبل أن يبدأ المؤتمر فعليًّا، في رسالة إلى كل دول العالم بأن روسيا ضامن لأمن واستقرار المنطقة بصفتها قوة عظمى، ومصر بصفتها أكبر قوة إقليمية، ومن ثم فلا عجب أن تكون مأدبة العشاء فوق أعلى قمة مصرية "برج القاهرة"، فمصر تحمل بوتين فوق رأسها، وتعليه قدرًا ومكانة.
الجريدة الرسمية