رئيس التحرير
عصام كامل

عندما يُصبح العهر فضيلة


دائما وأبدا نقول إن حرية التعبير والفكر متاحة للجميع ولا يمكنك الاعتراض عليها تحت أي ظرف وإلا لن تصبح حرية وسوف يصبح الأمر بمثابة توجيه وإرهاب فإذا كانت العين بالعين والسن بالسن فلابد أن تعرف أن القلم بالقلم والكلمة بالكلمة.


تابعت قضية خلية الماريوت والمتهم فيها عدد من الصحفيين والإعلامين أحدهم أسترالي الجنسية وآخر كندي مصري والأخير مصري الجنسية، ولطالما دافعت عنهم لأنه لا يمكن لأي نظام كبح وتلجيم الإعلام والصحافة تحت أي ظرف وإلا يتحول إلى نظام ديكتاتوري قمعي، ولما علمت أن المتهم المصري الكندي محمد فوزي قد تنازل عن جنسيته المصرية حتى يصبح كنديا فقط ويشمله القانون الجديد الذي أصدره الرئيس السيسي بالعفو عن الصحفيين الأجانب بشرط محاكمتهم في بلدهم.. صُدمت كيف لشخص يتخلى عن جنسيته بكل سهولة حتى يهرب من السجن!!

شرف لي أن أتعفن داخل زنزانة على أن أتنازل عن جنسيتي المصرية لأحصل على حريتي فأى حرية بلا وطن وعندما تبيع وطنك من أجل حريتك فأنت تصبح خائنا بكل ما تحمله الكلمة من صفات مقززة.

دائما أقول إن التسول أشرف من العهر والعهر أشرف من الخيانة، وأعلم جيدا أن التسول والعهر والخيانة يسببهم المجتمع أولا بسوء التربية والظلم والقهر ولكن هذا لا يكون الرد عليه بالخيانة، آلاف المناضلين ماتوا من التعذيب أو في سجون الأنظمة القمعية من أجل حرية أفكارهم ولم يفكر أحدهم في التخلي عن جنسيته للهرب..

فالمناضل من يدافع عن مبادئه وأفكاره حتى النهاية وكذلك الصحفى إن لم يكن صاحب مبدأ فهو بمثابة مخبر ومتآمر، وأعلم جيدا أيضا أن القوانين في مصر تخدم الأجنبي قبل المصري وأعلم أيضا أن المسئول ينحني للأجنبي ويستهزئ بالمصري ولكن ليست أسبابا كافية للخيانة فلا يوجد مبرر واحد على وجه الأرض يدفعك لخيانة بلدك.

وتعجبت من هؤلاء الذين يدافعون عن جريمة ذلك الخائن ويجدون من التبريرات ما لا أطيق سماعه، ولكن أرد عليهم أن كنتم دائما ترددون شعار "ياتموت وانت واقف يا تعيش وانت راكع" فيجب أن تجربه على نفسك أولا ولا تأذي أذني بشعار لا تطبق منه شيئا، وإن كنتم دائما تقرأون كتب والسير الشخصية للمناضلين فأنتم حمقى وجهلاء لا تطبقون منها شيئا لأنه لا يوجد مناضل يتخلى عن جنسيته مهما كان الثمن ومهما كان الظلم الواقع عليه، لأننى لم أشارك في ثورة عظيمة من أجل حقوق المصريين واستشهد فيها أصدقائي أمام عيني وكان من الممكن أن أكون واحدا منهم حتى يأتى مثل ذلك الشخص ليتخلى عن الجنسية بكل بساطة بحجة أنه مظلوم وأنه تعرض للتعذيب وأنه يريد حريته.

سيخبرك البعض أن الحدود تراب وأن الأرض وطن الجميع وسأقول لك نعم الحدود تراب والأرض وطن، ولكن ذلك التراب ملكا لك مهما حاول المضللون سلبه منك، وسيخبرك البعض أن الوطن في القلب وليس في جواز السفر وسأقول لك نعم الوطن في القلب وجواز السفر أيضا لأن ما داخل تلك الورقة هو أنت ولا أحد غيرك تلك هي هويتك التي يعرفك بها العالم فعندما تذهب إلى أي بلد يكون السؤال الأول من أي بلد أنت ؟ ولا يسالونك من أي دين أنت ولا أي فكر تنتمي إليه؟

لم أر في حياتي قوما بلا وطن ولا هوية عدا اليهود والجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش ولذلك هم منبوذون دائما ما يسرقون غيرهم يفعلون المستحيل حتى يكون لهم هوية وأرض وأنت أصبحت مثلهم.

وأخيرا.. أنت حر في تخليك عن جنسيتك ولكنك ستصبح خائنا وستورث ذلك العار لأولادك من بعدك.. أود أن أخبرك أن الأوطان لا تشتري فضلات الأوطان الأخرى وإن اشترتها تظل غريبا بها، وسيدور الزمن ولن تجد قبرا تدفن فيه أو شخصا يقف على قبرك يرثيك لأنك خائن وإن وجدت القبر ستكون تربته باردة عليك لأنك لا تنتمي إليها مهما حملت من أوراق فأنت غريب عليها ولست من أبنائها وإن رغبت في العودة إلى وطنك الأم ستكون أيضا منبوذا لأن من يبيع وطنه لن يجد من يشتريه.
الجريدة الرسمية