رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

هل أجهض الجيش التجربة الديمقراطية؟!


هل أجهض الجيش التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر عقب ثورة يناير، بعدما قام بتنفيذ حُكم المحكمة الدستورية العُليا بعدم صحة انتخابات مجلس الشعب، ثم قام بتنفيذ حُكم الشعب بعدم قبول المزيد من فشل (محمد مُرسي) المندوب السيامي الإخواني، وبالتالي تدخَّل لعزله وإعادته لمكانه شبه الطبيعي في السجن، متجاوزًا عن وضعه في المكان الطبيعي الأصلي اللائق به في مستشفى المجانين؟!


الإجابة: نعم.. لأنها كانت تجربة مشوهة، كانت عبارة عن إنتاج مسوخ على شكل مسئولين كبار في البلد؛ فعندما يتلاعب بمصير الدولة أجنة مشوَّهة سياسيًا وأيضًا أخلاقيًا مثل (العريان) و(البلتاجي) و(الشاطر) و(المُرشد) و(أبو إسماعيل) فإن الجنين بالفعل يستحق الإجهاض، وفي ستين داهية كمان!

لماذا وُجدَت الجيوش؟ للحفاظ على الأوطان بشكل عام، والجيش لا يُحارب فقط على الحدود، وفي كُل بلاد العالم الجيش هو الدرع الأول لمواجهة الأخطار الخارجية، وهو في نفس الوقت الدرع الأخير لمواجهة الأخطار الداخلية، بمعنى أن الجيش يتحوَّل لداخل البلاد كآخر حل يُمكن اللجوء إليه لحماية الوطن، وبعد استنفاد كافة الحلول (انهيار الشُرطة مثلًا، وبالتالي شبح الفوضى الكاملة)، وهذا ما حدث في ثورة يناير التي حماها الجيش وباركها، وهذا ما يحدُث في العالم كُله ـ ليست بدعة ـ وشوف اللي حصل في فرنسا الشهر الماضي من أجل مُحاربة الإرهاب، تصدَّق الجيش نزل الشوارع هناك؟!

إذن فقد انحاز الجيش للشعب في ثورة يونيو، وقرر الإطاحة بنظام فاشٍ فاشل، تمامًا كما حدث في ثورة يناير، فكيف يُمكن تسمية الأولى بالثورة والثانية بالانقلاب؟ هذا أمر لا يقوم به إلا معاتيه الإخوان لتحليل وتبرير الهجوم على الجيش الوطني، فإما تكون الثورتان انقلابًا، أو تكونا ثورتين، مش الحكاية خيار وفاقوس!

وأرجوك لا تنسى أن تسليم السُلطة للإخوان تم تحت مظلة الجيش والمجلس العسكري، يعني ذلك التسليم لم يتم قهرًا أو عنوة، لكن الإجراءات الديمقراطية السليمة والنزيهة أفرزت للحُكم جماعة مُنحرفة، تقرر منحها الفُرصة لإثبات كفاءتها، فأثبتت المزيد من الإجرام، وتصارعت مع كُل أعمدة الدولة، وأيضًا مع فئات المُجتمع (هل تذكُر حصار الدستورية والهجوم على القضاء والشرطة والجيش حتى؟) و(هل تذكُر تعذيب المُتظاهرين السلميين والتنكيل بهم على أبواب الاتحادية؟)

مَن يفعل ذلك لا يُمكن أن يرتضي بديمقراطية أو رأي مُعارض، إذن فمَن بدأ بنسف الديمقراطية هُنا والقضاء على المُعارضة بقرارات سيادية، وبمُساندة شوارعجية بلطجية إخوانية؟!

وعلى الرغم من أن (محمد مرسي) كان أول مَن يشذ عن قواعد اللعبة، بناءً على أوامر وتوجيهات الجماعة بالتأكيد، بعدما بدأ في حرق الأرض التي حملته إلى القصر، وألغى الإعلان الدستوري الذي أصبح على أساسه رئيسًا للبلاد، إلا أن الجيش لم يُحرِّك ساكنًا وقتها، ولم يتعجّل لإنهاء هذه التجربة التي كانت شاذة مُنذ البداية، واستسلم المُشير (طنطاوي) لقرار الإطاحة به وإلغاء الإعلان المذكور، وبالتالي تصفية كُل ما له علاقة بالمجلس العسكري وحمايته لمدنية الدولة، والتوازن في نظام الحُكم!

قال لي أحد الضُباط ذوي الرُتب المتوسطة في الجيش وقتها بالنَص: "(طنطاوى) له ما له وعليه ما عليه، إحنا في الجيش كُنا بنقول من فترة إنه كفاية عليه كدة ويمشي، بس مش بالطريقة دي، اللي حصل كان إهانة لينا جميعًا".. لن أكمل باقي كلام الضابط، لكن كان من الواضح أن المُشير لو أراد وقتها قلب المائدة في وجه (مرسي) وجماعته وصفعهم على قفاهم لفعلها بإشارة واحدة منه، وكان الجيش سيُسانده بشراسة، لكنه فضَّل الانتظار ومنح الفُرصة كاملةً للنظام الجديد!

لو كان الجيش مُتحفزًا للانقلاب على الشرعية كما يقول السُفهاء، لانتفض فورًا دفاعًا عن قائده، لكن نفس القائد هو مَن استقبل الأمر ببساطة تامة، واستمر طرطور الجماعة في طغيانه بالإعلان الدستوري الذي حوَّله من مُجرَّد فرخة شامورت إلى إله حقيقي، وخرج مطبلاتية الإخوان لتأييد القرار كالعادة قبل صدوره، وتم قتل وسحل وتعذيب المُعترضين على هذه الجريمة، وصبر الجيش ولم يُحرِّك ساكنًا!

كُل هذه كانت مسامير في نعش الديمقراطية الوليدة المشوهة أصلًا، يدُقها الإخوان بحماس، وتتعالى أصواتهم مُهددة الجميع بالصراخ تارة، وبالفعل في أوقات كثيرة أخرى، ولقد بدأت حملات تهذيب الشعب مُبكرًا، من أول جُمعة كشف الحساب بعد المائة يوم السوداء الأولى، مَن يعترض على حُكم الإخوان، فلن ينال إلا السحل والحرق، وتعددت الوقائع من الاتحادية لمكتب الإرشاد ويا قلبي لا تحزن، مصريون يقتلون مصريين تحت راية الإسلام والدفاع عن الشريعة والشرعية!

ولم يتحرَّك الجيش في يونيو إلا بناءً على حراك شعبي غير مسبوق في التاريخ، وفاقت أعداد مُتظاهري ثورة الصيف (يونيو) أضعاف أعداد المُشاركين في ثورة الشتاء (يناير)، الفارق كان وحيدًا وواضحًا: هذه المرَّة لن تتصدى الشُرطة للمُتظاهرين ببعض العُنف، ستتصدى لهم مليشيات الإخوان بكُل العُنف والإجرام، كما فعلت من قبل في مُناسبات (كشف الحساب ومكتب الإرشاد والاتحادية) وستسيل الدماء أنهارًا، وسيُواجَه العُنف بالعُنف، سيتقاتل المصريون في الشوارع لتقديم صورة مُكبرة من أحداث الاتحادية المشئومة بالذات!

سيكون المشهد: مصري يُطالب بديمقراطية حقيقية، ويرفُض جماعة فاشية قمعية فاشلة، ومصري آخر في المُقابل يُقاتل لإبقاء هذه الجماعة على عرش السُلطة، مُتمسكًا بيقين أنه لا يخوض معركة فكرية، ولا يُدافع عن رأي سياسي، ولا حتى ديمقراطية لا يؤمن بها في الأصل، لكنه يُدافع عن دينه ضد أعداء الدين، فأي نوع من الديمقراطية هذا؟ أليست الثورة تجُب الديمقراطية والقوانين؟ فلنكتفي بهذا القدر إذن من الديمقراطية المشوهة ولنبدأ من جديد، وعلى نضافة.. وهذا ما حدث بعدما قرر الجيش التدخُل لتخليصنا من الزبالة!
Advertisements
الجريدة الرسمية