رئيس التحرير
عصام كامل

لحظة شجن عند دفن ملك


تابعت مثل الملايين في مصر والعالم العربي والإسلامي، بل في كل الدنيا، مراسم الموت والحياة في الشقيقة الأصيلة أم الإسلام المملكة العربية السعودية.

وقد دمع القلب، وتدبر العقل، أما الدموع، فهي لذكرى الكلمات القوية التي واجه بها الملك الراحل مؤامرات الغرب والأتراك لإسقاط مصر ودفاعه عنها يوم الثالث من يوليو، وإجهاض الجهد الغربي المحتشد في باريس لمعاقبة ثورة الثلاثين من يونيو، ودأب الملك على القول إن من يعادي مصر فقد عادى الإسلام، وعادى المملكة.

وأما العقل فيخشع بالإعجاب لحكمة الرجل الذي دبر بروية ورجاحة، لعملية انتقال السلطة بسلاسة داخل الأسرة الحاكمة، وإنشاء موقع ولي ولي العهد، الأمر الذي دفع بجيل أحفاد المؤسس عبد العزيز إلى صدارة وسدة الحكم، يوما ما.

من بين كل مشاهد الموت واستئناف الحياة، تدبرت بدوري، لحظات دفن ملك عظيم في التراب، في مقبرة العود، بلا ضريح، بلا هرم، بلا مصاطب، بلا جوامع، بلا مقصورة، بل في التراب البحت المحض، وصحيح أن الفراش الأخير هو ذاك التراب الذي خلقنا منه الله العلي القدير، لكن توسيد المليك التراب دون تفخيم في مبنى محيط، أو نصب مقام، هو عظة وعبرة، فالنهاية هي النهاية، وهو من قبل ومن بعد عبد من عباد الله، وسيمثل بين يدي العظيم الجبار الغفور الرحيم مثول العبد الضارع المتوسل لرحمة ربه.

نعيش في قلاع وفي قصور، وفي شقق، وفي أكواخ، وفي خيام، وكلنا طامع في تحسين ملاذه، وترقيته، حتى إذا حم الموت، أو أطبق المرض إطباقا، تراجعت الشهوات إلى حسرات!

كان التراب يستقبل ملكا، وعلى رأس المقبرة وقف ملك، هو خادم الحرمين الجديد سلمان بن عبد العزيز، ومن السهل تدبر ما كان يعتمل بصدر الرجل، وهو واقف يودع أخاه ورفيق العمر، إلى مثواه النهائي، راجيا عفو الله ورضوان الكريم، ولا ريب أن ذاك المشهد المتكرر في تسليم السلطة بقضاء الله، وتسلم السلطة من فوق حواف القبور، هو ما يضفي على حكام السعودية، مسحة الفهم النهائي لوجودهم رعاة لشعبهم ولأمتهم الإسلامية، وسندا قويا شجاعا، لعمود الخيمة العربية، مصر الأم التي أراد الخونة ذبحها، ولولا عناية الله وشجاعة المليك عبد الله بن عبد العزيز، والأشقاء في الإمارات والبحرين والكويت، لحدث ما لا يحمد عقباه.

رحل ملك عظيم، وجاء ملك لن يقل عظمة في حبه لإسلامه ولوطنه وأمته وعروبته ومصريته، عملا بوصية مؤسس الأسرة والمملكة الملك الأب عبد العزيز.
الجريدة الرسمية