رئيس التحرير
عصام كامل

المؤامرة على الأرز المصري


سيدي رئيس الجمهورية:
هل يُعقل أن يُترك الحبل على الغارب لعدد من وزراء مصر، حتى تتمخض شطحاتهم عن قرارات تدمغ تبعيتهم لأمريكا، وليس لمصر التي أنفقت على تعليمهم خيرات أرضها، وبركات سمائها؟


هل يُعقل أن يتصاعد مؤشر التبعية المصرية لأمريكا، لتتجلى في قرارات وزارية، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب لمصر والمصريين؟
هل مصر فعلا حتى الآن لا تملك قرارها، بدليل أن بعض وزرائها يعملون ما في صالح أمريكا، وليس في صالح مصر والمصريين؟

مصدر هذه الأسئلة المؤلمة، تلك الضربات التي تلقاها الفلاح المصري خلال الأشهر الستة الماضية، ومنها: قرار المؤامرة على الأرز المصري، ويمثل ضربة مسددة بعناية من وزارات "الزراعة"، و"التموين"، و"التجارة والصناعة"، أو "طلقة فشنك" أطلقتها الوزارات الثلاثة في فرح مصطنع لعريس مغيّب.

اتفقت وزارات الزراعة، والتموين، والتجارة والصناعة، على فتح باب تصدير الأرز بعد أن باع الفلاح محصوله بسعر 1550 جنيها للطن، وبعد أن وصل 90 في المائة من المحصول إلى مخازن التجار، ولم يبق لدى الفلاح منه إلا استهلاك بيته.

قال بيان فتح التصدير، قبل نحو ثلاثة أشهر، إن القرار يستهدف تصدير 100 ألف طن أرز شهريا، ما يعني تصدير نحو مليون طن خلال عشرة أشهر، وهو القرار الذي قابله الفلاحون بفرحة ناقصة، لكنها على الأقل كانت بمثابة انفراجة قد تفيدهم في موسم العام المقبل.

لم يكن الفلاحون يعرفون أن منفذي السياسة التي تخدم المصالح الأمريكية، في الوزارات الثلاثة المعنية، قد قيدت القرار بفتيل خرج من رءوس المصدّرين المصريين، حيث اشترط القرار تسديد 280 دولارا عن كل طن يتم تصديره للخارج، تُدفع لخزينة وزارة التموين، إضافة إلى توريد طن أرز أبيض مجانا للوزارة أيضا، لصالح بطاقات التموين.

وبحسبة بسيطة، وجد المصدّر نفسه أمام خسارة محققة، حيث يبلغ سعر تصدير الطن للخارج 1000 دولار (7700 جنيه مصري بسعر السوق السوداء)، و(7190 جنيها بالسعر الرسمي حاليا)، بينما تبلغ فاتورة كل طن أرز أبيض سيصدره نحو 7550 جنيها (3000 جنيه تكلفة طن الأرز الأبيض درجة أولى + 2000 جنيه سعر الـ 280 دولارا رسم التصدير + 2550 جنيها سعر طن الأرز الأبيض درجة خامسة الذي سيورده للتموين أيضا).

من الحسبة السابقة، يتضح أن قرار فتح باب تصدير الأرز، المكبل بهذه الأغلال، كان مدبرا لتحقيق النتيجة المسجلة حاليا في الشعبة العامة لتصدير الأرز التابعة لاتحاد الغرف التجارية المصرية، حيث أكد مصطفى النجاري رئيس الشعبة، أن إجمالي ما تم تصديره خلال الأشهر الثلاثة الماضية 3400 طن فقط، من 300 ألف طن كانت مستهدفة بالقرار في الأشهر الثلاثة.

العارفون بالأمور أو بالمؤامرة، أكدوا أن هذا المخطط، يخدم أمريكا بتقييد تصدير الأرز، بعد فشل تقييد زراعته في مصر، وبعد نجاح أمريكا منذ أكثر من ثلاثة أعوام في زراعة الأرز قصير الحبة، كي تستحوذ به على الأسواق التي كانت مفتوحة لمصر حول العالم، فيما حاربت مصر زراعة الأرز الجاف الذي يستهلك نصف كمية المياه التي يستهلكها الأرز التقليدي الذي نعرفه، وتزيد إنتاجيته عنه أيضا بنسبة 40 %، وزرعت مصر منه في العام الماضي نحو 50 ألف فدان، دون معرفة وزارة الزراعة.

سيدي الرئيس:
هذا الكلام يعكس نتائج مؤكدة، فالسجلات متاحة في كل من: شعبة تصدير الأرز، واتحاد الصادرات المصرية، وهيئة الموانئ، وبأمر واحد تأتيك النتائج الموثقة بكميات الأرز التي تم تصديرها خلال الشهور الثلاثة الماضية.

سيدي الرئيس،
نتعشم في ألا يظل المواطن المصري بكل طوائفه، مشغول بـ "حسبة برما"، التي لن يحصل على حلها الصحيح، كجواب لسؤال تقليدي: لماذا يصمت الرئيس حيال هذه النتائج المخيبة للآمال؟
barghoty@yahoo.com
الجريدة الرسمية