رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو.. «فيتو» ترصد مظاهرات الطلاب في «انتفاضة يناير 77».. كريمة الحفناوي: الاحتجاجات خرجت عفوية دون ترتيب.. الأمن المركزي منعنا من الوصول لميدان التحرير.. والتواصل الشخصي كان و


تقف في نفس المكان، يفصلها عن الحدث 38 عامًا، تتعمق في البحث عبر ذاكرتها، لتتذكر حين كانت طالبة بالفرقة الأخيرة بكلية الصيدلة جامعة القاهرة، وكيف خرجت من كليتها للانضمام إلى مسيرات الطلاب التي انطلقت صباح 18 يناير 1977، وانتهت بهروبها خوفًا من القبض عليها، وفصلها من الجامعة فصلًا نهائيًا.


بداية المظاهرات
روت كريمة الحفناوي، عضو الجمعية الوطنية للتغيير، تفاصيل مشاركتها في انتفاضة يناير 1977، قائلة: «يوم 18 يناير تصادف طبقًا لجدول الفرقة أنه يوم معمل الصيدلانيات، وهو جزء من التدريب العملي بالكلية، ويبدأ من الثامنة صباحًا ويستمر لمدة 6 ساعات كاملة، لم أقرأ الصحف يومها، وتوجهت إلى الكلية في موعدي وبدأت تدريبي، وكان المعمل يطل على الكورنيش فتفاجئت بأصدقائي ينادوني، ويبلغوني بأن هناك مظاهرات في الجامعة، وأن العمال خرجوا في مظاهرات كبيرة احتجاجًا على القرارات التي نُشرت في الصحف ذلك اليوم، برفع أسعار كل السلع تقريبًا في ظل ثبات الرواتب الضعيفة».

وأضافت «كريمة»: «بعد دقائق وقعت بالانصراف من المعمل بعد إنهاء التركيبات التي كان المفترض أن أنفذها، ولا أذكر كيف وصلت إلى جامعة القاهرة في ذلك التوقيت، فلم يكن لدى حينها من المال ما يكفي لاستقلال تاكسي إلا أنني وصلت للجامعة في دقائق قليلة سيرا على قدمي».

العمال الأكثر تنظيما
وأوضحت «كريمة»: «كان العمال هم الأكثر تنظيمًا في ذلك التوقيت، حيث قام عمال الوردية الليلية في مصانع حلوان، بعد شرائهم للصحف التي كانت تصدر الطبعة الأولى منها في الساعة 11 مساء بالاتفاق على عدم ترك مواقعهم وانتظار الوردية الصباحية للخروج سويًا، وحتى هذا التصرف كان عفويًا ونابعًا من العمال، ولم يرتب من أي جهة سياسية، أما خروج الطلاب فكان مفاجئا بكل المقاييس، فأنا يوم 18 لم أكن أعرف ولا أنتوي الخروج في أي مظاهرة».

الأمن المركزي
طريق ليس بطويل، لكنه استغرق على الأقل 20 دقيقة، كانت هي المسافة التي قطعتها «فيتو» مع كريمة الحفناوي، بين كلية الصيدلة وجامعة القاهرة، المحطة الثانية لرحلتها في 18 يناير لتتوقف أمام تمثال النهضة قائلة: «هنا توقفت مسيرة الجامعة، فبعد جولات قصيرة في حي بين السرايات، لحث المواطنين على المشاركة خاصة الطلاب بالمدينة الجامعية، دخلنا جميعا إلى الجامعة وقررنا التوجه بمسيرة من الجامعة إلى ميدان التحرير عن طريق كوبري الجامعة، لم تكن السفارة الصهيونية اُفتتحت بعد، لكن قوات الأمن المركزي وقفت كحاجز بيننا وبين هدفنا، وتوقفت المسيرة أمام تمثال النهضة بعد إطلاق الغاز المسيل للدموع علينا».

«لم يكن هناك إنترنت أو هواتف محمولة» قالتها كريمة الحفناوي وهي تشرح طريق تحرك الجموع في ذلك التوقيت، مشيرة إلى أن الأخبار بدأت تصل لهم في هذا التجمع بتحركات العمال وانطلاقهم، بعد مجئ زملاء لهم من حلوان، وكذلك زملاء من جامعة عين شمس، الذين أكدوا انطلاق مسيرات من الجامعة هناك، بالإضافة إلى مسيرات عمال شبرا الخيمة، ولكن مع اشتداد الحصار علينا لم يكن هناك مفر من التراجع وتغيير مسار المسيرة، حيث انطلقت مع المسيرة إلى ميدان الجيزة.

قبل الرحيل عن ميدان النهضة، لم تنس «كريمة» الإشارة إلى مقر مباحث أمن الدولة بمحافظة الجيزة المعروف باسم مقر «جابر بن حيان»، قائلة: «عرفنا أسماء المعتقلين في ذلك اليوم من الجرائد في اليوم التالي، إلا أننا سمعنا عن اعتقالات جرت، ولم نكن حينها بعيدين عن هذا المقر الذي كان الطلاب يتم احتجازهم فيه أو في مقر مديرية أمن الجيزة، وهو ما دفعني للحذر والتخفي وسط المسيرة هربًا من الاعتقال باعتباري واحدة من الذين يتوقع أن يتم صدور قرار بالقبض عليهم إن لم يكن قد صدر».

ميدان الجيزة.. نهاية المسيرة
«الميدان لم يكن بهذا الشكل حينها» قالتها «كريمة» حين وصلت إلى ميدان الجيزة، محطتها الأخيرة في تلك الرحلة، حيث أشارت إلى مكان موقف سيارات الأجرة، قائلة: «توقفنا بالمسيرة هنا، ولم يكن هناك كل هذه الجسور، وظللنا نهتف هتافات استخدمت بعدها لسنوات طويلة مثل (هما بياكلوا حمام وفراخ واحنا الفول دوخنا وداخ، هما بيلبسوا آخر موضة واحنا بنسكن عشرة في اوضة، سرقوا الكاستور من العريان.. سرقوا الدوا من العيان)، وكان المطلب الوحيد المعلن التراجع عن تلك القرارات، وعرفنا في الرابعة عصرا عن إعلان حظر التجول، وكذلك إغلاق الجامعات، كما عرفنا بأخبار اقتحام المحال ومنها كازينو الليل بشارع الهرم، وحينها بدأت المسيرة في التفرق، خاصة مع الملاحقات الأمنية».

واستطردت «كريمة» قائلة: «قمت بالتسلل إلى منطقة نصر الدين بشارع الهرم، حيث قضيت ليلتي في منزل زميلة اعتدت الهرب لديها في الظروف المماثلة، وفي اليوم التالي حاولت الدخول لمنطقة الجامعة رغم إغلاقها لاستكشاف ما جرى، وفي هذا اليوم عرفت من الصحف أنه تم التحقيق معي وفصلي من جامعة القاهرة مع 4 آخرين رغم أني لم أحضر أي تحقيق».

واختتمت: «هناك الكثيرين الذين أتوجه لهم بالشكر منهم المحامي الراحل أحمد نبيل الهلالي، الذي تولي إقامة دعاوى قضائية مع العديد من المحامين والحصول على حكم مستعجل بعودتنا للجامعة، إلا أنه كان من الصعب أن أحصل على البكالوريوس في هذا العام وتخرجت عام 1978، واستشهدت حينها بتوقيعي على دفتر الانصراف من معمل الصيدلانيات وهو ما يعني أنني كنت في المعمل حتى الساعة الثانية ظهرًا، طبقًا لمواعيد المعمل إلا أني انصرفت حينها بعد إنهاء تركيباتي».
الجريدة الرسمية