رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى يناير..مبادرة قومية للشباب!


عقب ثورة يناير نشأ في كل قرية ونجع ومدينة وكفر ومحافظة عدد من الائتلافات والروابط والتيارات والملتقيات التي لا يزيد أي منها من 20 إلى 30 من الشباب، وبدلا من محاولة اتحاد هذه الروابط والائتلافات معا، تنافست معا، وسرعان ما تحولت أرض الشارع التي كانت ولا تزال تحتاج كل هذه الجهود للنهوض بحال المواطن المصري إلى ساحة للصراع، وبعدما شاهدنا محاولات أولية تركز أغلبها على تنظيف الشوارع وتشجيرها وإزالة القمامة، ومحاولة الرقابة الشعبية الذاتية المباشرة على الأماكن التي بها شكاوى فساد مثل المخابز وبائعي الشوارع والمستشفيات وغيرها.


غرقت كل هذه الكيانات غير المؤسسة جيدا في حروب وهمية مع بعضها البعض، حتى فوجئت جميعها بعدم قدرتها على تحقيق أي مكاسب سياسية في ظل اكتساح الإسلام السياسي للبرلمان وضاعت مبادرة تحريك الأمور، وسرعان ما انقض الإسلام السياسي بكوادره ونشطائه وخلاياه النائمة أيضا التي غرسها في هذه الائتلافات على جهود تواجد الشباب في الشارع، لينتهي الأمر إلى الصورة العبثية التي عاشتها مصر في عهد محمد مرسي والتي انتهت بالإطاحة بفكر وممارسة الإسلام السياسي من الواقع المصري ومن تاريخ المصريين أيضا فيما اعتقد.

وصل الأمر ببعض هذه الائتلافات إلى أن لاقت تعاونا مباشرا من جهات رقابية في الدولة مثل قطاعات التموين، وقام بعضها بالإشراف على توزيع أنابيب البوتاجاز والخبز وغيرها، وعقدوا لقاءات مباشرة مع المحافظين، وتواصلت أيضا في وقت من الأوقات مع قطاعات الأمن والمرور وجمعيات أهلية وغيرها، وفي اعتقادي أن هذه المبادرات الأولية كان لها دور في مرور مصر من عاصفة الاعتداء على مؤسسات الدولة والانفلات الأخلاقي الذي حدث بأقل الخسائر الممكنة، رغم فداحة ما حدث في مصر من خسائر عقب ثورة يناير، لكنه كان يمكن أن يكون أكبر من ذلك، هذه المبادرات كانت فرصة ذهبية لدخول كثير من الشباب العازف عن الممارسة السياسية من ناحية، والذي لا يجد حياة حزبية من ناحية ثانية، والذي يعد طاقة لا يجب إهدارها من ناحية أخيرة للاندماج في حياة سياسية سليمة، وأن يكون نواة أولية لتكوين قاطرة تحريك وتحسين الأمور على الأرض.

أصحاب هذه الائتلافات التي تآكلت مع الزمن، والتي انزاح أفرادها للظل، هم النشطاء الحقيقيون في اعتقادي، هم أفراد أغلبهم غير مسيس، وغير معروف إعلاميا ولم يذهب أو يتلق أي تمويل، ولم يجمعه شيء سوى حب الوطن، ولديه الرغبة في تقديم أي شيء فداء للتراب الغالي الذي نعيش عليه، وعندما تعقد المشهد، وتم إرباكه، سواء من قبل نخبة من سوء حظنا أنها موجودة في مصر في هذا التوقيت الحرج، وكم أتمنى أن تحاسب هذه النخبة ذاتها، وأن تراجع مواقفها وتنظر فيما أدت الكثير من قراراتها واختياراتها على الشارع المصري، أو في الرغبة الحثيثة لبعض كوادر الحزب الوطني السابق المكروهة شعبيا والتي ترفض أن تنزاح للظل وتسدل على أنفسها ستار النسيان.

ومع عدم ظهور كيان جامع يمكن أن يوحد صف الشباب الراغب في العطاء للوطن، انتهى المطاف بأغلب هذه الكيانات بالفرقة والتشتت، ومع ذلك، كان للكثيرين من الوطنيين من هؤلاء الشباب دور في إنقاذ الدولة من براثن الإرهاب بإسقاط نظام الإخوان، وبالاستجابة لمطلب الرئيس السيسي في تفويضه ضد الإرهاب، ورغم أن البعض من هؤلاء تم تشويشه إعلاميا، إلا أنه له فضل توفير دعم قوي وسند قوي لمواجهة الإرهاب والتصدي للكثير من محاولات التخريب التي حاول ويحاول البعض للأسف تنفيذها.

مع ذكرى يناير القادمة، ومع وجود بعض الدعوات الكريهة للتخريب والتدمير والتطرف، وفي ظل شعور لا يجب أن ننكر أنه موجود لدى عدد من الشباب بالتشويش وعدم فهم الكثير من الأمور، لماذا لا تكون هناك مبادرة لدمج هؤلاء الشباب في نشاط قومي كبير يحقق الاستفادة من قدراتهم ورغبتهم التطوعية في إصلاح الحالة المصرية، لماذا لا تتحد وزارات الشباب والرياضة والتعليم والثقافة والأوقاف والمحليات لإحياء فكرة الرقابة الشعبية التعاونية، والتثقيف والتوعية والعمل التطوعي الذي يتم هذه المرة تحت راية واحدة، وبرؤية موحدة هي راية محبة الوطن، ورؤية البناء؟ لدينا العديد من الجهود والطاقات التي لم نستفد منها في مصر بعد، والتي لا تعرف أيضا كيف تفيد في عملية البناء! وبجانب وجود قلة وثلة من أصحاب المصالح، هناك الكثير والكثير من الشباب المصري الخالص الذي يحتاج لمن يظله بمظلته ويدله للطريقة والوسيلة اللتين يمكن أن يفيد بهما، ولا أتخيل أنه يمكن لأي مصري أن يجد أمامه طريقا واضحا وفعالا يتيح له المشاركة في بناء الوطن ويتأخر عن الاستجابة.
الجريدة الرسمية