رئيس التحرير
عصام كامل

لا تآخذوني.. فتلك الحقيقة


هنا في مصر فقط وفي ظل القنوات الفضائية التي لا حصر لها، أصبح لا حاجة للمتسلقين للسلالم من أجل الصعود أو التسلق على أكتاف الآخرين، فقط ما عليك أيها الفاشل الحاقد الكاره لوطنك ولدينك إلا الكذب، فاكتب تاريخك كذبا وضَعْ فيه ما يجعلك بطلا خارقا في نظر العامة من المصريين الذين يصدقون ما يعرض عليهم من معسول الكلام.


فكما حدث عند سقوط نظام مبارك من ظهور موجة عاتية من المصريين بجميع طبقاتهم ممن أرادوا الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، فكانت النتيجة تولي الإخوان سنة من حكم مصر، يحدث اليوم أن الجميع يتسابق بلا مؤهلات لدخول مجلس الشعب، فالكل يسعى من أجل مصالح شخصية لا من أجل الوطن.

واليوم لابد من تحري الحقائق لكل المرشحين واستبعاد الكذبة المحتالين في دعاياتهم الانتخابية من لقب نفسه بالمستشار الفلاني أو الدكتور الفلاني أو السفير الفلاني، ولم يثبت أنه من السلك القضائي وما هي إلا فقط مجرد دورة في التحكيم الدولي أو طبيب أو حاصل على الدكتوراه من جامعة معترف بها، وليست شهادة لا أساس لها يظهرها صاحبها عند الحاجة مُنحت له من جهة لا تملك هذا الحق، وأشياء كثيرة من هذا القبيل.

وليس الموضوع بالنسبة لي شهادات ولكنه الكذب الذي يعتنقه الكثير لتجميل نفسه، فكيف لهذا الشخص أن يؤتمن على المشاركة في تقرير مصير أمة بأكملها؟

وسنعود إلى نقطة البداية، فمن ينفق على دعايته الانتخابية أكثر ومن يرشي ويستغل فقر الفقراء واحتياج المحتاجين هو من سينال كرسيا في البرلمان القادم، وهو نفسه من سيساهم في ازدياد جهل وفقر المجتمع.

فكما حدث بعد الثورة أن شاهدنا الكثيرين يحملون ملفات فساد ضد أشخاص وشركات، وظننا خطأً أنهم يحاربون الفساد من أجل رفعة مصر، ولكننا اكتشفنا أن ملفاتهم من أجل رفعتهم هم أنفسهم ومن أجل التفاوض مع الفاسدين واستغلالهم، ورأينا منهم الكثيرين وقد ظهرت عليهم علامات الثراء.

فسوف يحدث هذا ويستمر حدوثه في ظل هذا الكذب والضلال الذي تعيشه مصر من جراء تصدر الجهلاء واجهة المشهد السياسي والإعلامي، وانتشار منظمات مجتمع مدني من المفترض أنها منظمات لا تهدف للربح وذلك بتصريح من وزارة الشئون الاجتماعية، ولكن معظمها سخرت نفسها لا لخدمة المجتمع كما هو مفترض، ولكن سخرت نفسها من أجل مصالح منظمات أخرى أكبر هي التي تمولها وتمول أصحابها، في إطار ظاهرة خدمة المجتمع ولكنه في مضمونه هدم ودمار للمجتمع.

والسؤال هنا هل يمكن لمصر ولبلاد الشرق الأوسط أن تعيش الحياة كما ينبغي أو كما يعيشها بلاد العالم المتقدم في ظل هذا العته والأكاذيب وانعدام القدوة؟

فنحن إذًا في احتياج شديد لثورة أخلاقية للنهوض بالمجتمعات وليست ثورة سياسية، وهذا ليس شأن الحاكم أو النظام هو شأن شعب اعتاد على العشوائية ولم يعرف طريقا غيرها، ومهما كان ما يملكه الحاكم من حكمة وقوة وعبقرية لن يستطيع أن يفعل شيئا إلا في حدود ما اعتاد عليه شعبه، وسيظل الشعب يُسقط فشله وعشوائيته على النظام والحكام وينسى تماما أنه هو نفسه الذي صنعهم واختارهم؛ لأنهم من الشعب وليس من خارجه.

فلو ارتقت الشعوب لارتقى حكامها.. فكيف لحاكم أو نظام أن يرتقي بشعب يرفض الارتقاء؟.. كطالب يعشق النجاح ولكنه مهمل ويعشق أيضا الكسل، فإن لم يرسب هذا الطالب بفضل عبقرية المدرس، فإنها لم ولن يحقق التفوق، فنجاحه هو دائما الحد الأدنى، وإن كان هناك أقل من هذا الحد فهو نصيب هذا الطالب الكسول.

أنا لا أريد أن أحبطكم ولكن كل ما أريده أن نغسل وجوهنا بماء الحقائق حتى تنجلي الغمامة عن عيوننا، فنرى أنفسنا جيدًا ولا نطلب من الحاكم ما لا يملك، ولا نطلب لأنفسنا ما لا نستحق، فلا تآخذوني، فتلك الحقيقة.

لك الله يا مصر.. حماك الله ورعاك.
الجريدة الرسمية