رئيس التحرير
عصام كامل

الخطيئة الكبرى


هناك خطايا كثيرة ارتكبتها قيادات جماعة الإخوان أثناء وعقب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وكانت سببا في ضياع الثورة، علاوة على الفشل الذريع الذي لحقهم في العام الذي حكموا فيه مصر.. أبادر فأقول: في تلك الفترة، كان شباب الإخوان أعظم تصرفا، وأروع سلوكا، وأكثر نبلا من قياداتهم العليا في مكتب الإرشاد.. فقد شارك نحو ٢٥٠٠ منهم في تظاهرة ٢٥ يناير منذ اللحظات الأولى، وكان ذلك على مسئوليتهم الخاصة..

هذا في الوقت الذي رفضت أو أحجمت أو ترددت قياداتهم في اتخاذ قرار المشاركة.. ولم تحسم هذه القيادات أمرها إلا بعد أن تم إلقاء القبض على ٣٤ من الإخوان، كان منهم محمد مرسي، والكتاتني، وعصام العريان، ومصطفى الغنيمي، وسعد الحسيني وآخرون، وقد تم إيداع الجميع سجن وادي النطرون..

وقد اتصل بي الدكتور بديع في مساء ٣١ يناير (على ما أذكر) ليستطلع رأيي في إرسال محمد مرسي وسعد الكتاتني للمشاركة في الحوار الذي دعا إليه الراحل عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية آنذاك.. وكان رأيي هو الرفض، على اعتبار أنه مخالف لما تم الاتفاق عليه مع القوى الثورية بميدان التحرير، أنه لا حوار إلا بعد رحيل مبارك..

وما يثير الأسى والحزن، هو ذلك اللقاء المنفرد الذي تم بين هذين الأخوين والراحل عمر سليمان؛ حيث طلب منهما سحب الشباب من ميدان التحرير في مقابل إعطاء جماعة الإخوان المشروعية القانونية والإفراج عن خيرت الشاطر وحسن مالك، لكن الشباب رفض الانصياع لهذا الطلب، وفشلت الصفقة.

لقد قامت كافة طوائف الشعب المصري بثورة ٢٥ يناير.. كانت ملكا للجميع، ومن أجل الجميع.. ولا تستطيع فئة أو شريحة أو جماعة أو حركة أن تدَّعي أنها من قامت بالثورة، أو أنها مسئولة أو نائبة عنها، أو متحدثة باسمها.. لذا، كان المفترض أن يتحرك الجميع كوحدة واحدة، لا تمييز بين قوى سياسية وأخرى، أو بين تيار إسلامي وآخر ليبرالي، أو بين رجال ونساء، أو بين شباب وشيوخ، أو بين مسلمين ومسيحيين..

في تلك اللحظة التي انصهر فيها الجميع كسبيكة واحدة، كان من اللازم ألا ينفض الجمع قبل أن تتشكل هيئة تأسيسية لوضع دستور جديد؛ إيذانا ببدء نظام سياسي جديد يختلف عما سبقه.. لكن للأسف، ما أن أعلن عن تخلي مبارك، حتى نسى الجميع في غمرة الفرحة أن المهمة الأساسية قد بدأت، ألا وهي تغيير النظام، ذلك المطلب الذي كانت تهتف به الجماهير في الميادين "الشعب يريد تغيير النظام"..

وبذلك ضاعت فرصة تاريخية غير مسبوقة في حياة الشعب المصري.. عقب الثورة مباشرة، أوصيت الدكتور بديع في آخر لقاء جمعني به، بضرورة أن تتحرك جماعة الإخوان مع كل طوائف الشعب، بحيث لا تنعزل أو تنفك عنها، وأن تكون جزءا منها، لا على رأسها.. بهذا تشعر كل فئة من الشعب أنه ليس هناك حزب أو جماعة أو تيار لا يقدر إسهامها أو يهضمها حقها، أو يسلبها مكانها أو مكانتها.. لكن - للأسف - غلبت على قيادات الجماعة انتهازيتها، وضيق أفقها، وتسرعها، وانعدام الرؤية الواعية والحصيفة لديها.. ولا زلت أقول: إن المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي، استطاع أن يضحك على الجميع، خاصة الإخوان..

كان هدفه هو المحافظة على نظام مبارك، بينما كان هدف الإخوان الوصول إلى السلطة، لا المحافظة على الثورة، فهي ليست - كما هو معلوم للجميع - من فكرهم ولا أدبياتهم.. وكانت "التعديلات الدستورية" - التي أعطت قبلة الحياة للدستور الذي سقط بفعل الثورة - هي أولى الخطايا، وأكبرها على الإطلاق.. كانت البداية في ضياع حلم الشعب المصري في التغيير بعد معاناة طويلة من الاستبداد والفساد.
الجريدة الرسمية