رئيس التحرير
عصام كامل

تجديد الخطاب الديني


ما أحوجنا اليوم إلى تجديد خطابنا الديني، تجديدًا يركز على فهمنا الصحيح للدين وقراءتنا له، وليس على الدين نفسه، لأن الدين فوق أن يجدد، وما دام التجديد في القراءة، فلا ضير ولا حرج من استخدام مصطلح التجديد، ولا داعي أن يتوجس البعض منه خيفة.

فالتجديد هنا لن يخل بالثوابت الدينية، ولن يمس جوهر العقيدة المتمثل في القرآن، والسنة النبوية الشريفة التي أُخذت عن سيدنا محمد – عليه الصلاة والسلام – الذي لا ينطق عن الهوى، أما عدا ذلك من فتاوى وفقه موضوع على يد أشخاص وأئمة مهما كانت درجة مصداقيتهم، وإبحارهم في العلوم الدينية، لابد أن تتم مراجعتها وأن تُخضع اجتهاداتهم للفحص، وآراؤهم للتنقيح، لأنهم ليسوا بملائكة منزهين عن الخطأ والسهو، ولا يجوز التعامل مع ما قدموه لنا كـ "مسلمات بديهية" دون استعمال العقل لمعرفة ماهيتها، وإلا لماذا خلق الله لنا العقل؟ أليس لنفكر به ونتدبر.

ما نواجهه اليوم في عالمنا العربي من خطر الإرهاب، وعنف الجماعات الإسلامية على اختلاف مسمياتهم، يعود بالدرجة الأولى إلى حالة الجمود التي أصابت الفكر الديني، الذي وقف عند حدود القرون الأولى، ولم يواكب تطورات العصر، واحتياجات المسلم المعاصر الذي لم يعد يعتمد على الجمل في تحركاته، والسيف في حروبه، والحمام الزاجل في مراسلاته.

أضف إلى ذلك إصرار العاملين والدارسين في مجالات العلوم الإسلامية، على التعامل مع النصوص الدينية دون الأخذ بعين الاعتبار ظرف المكان والزمان وديمومة حركتيهما، فـ نوعية التفسيرات والاجتهادات التي تصلح لفترة زمنية معينة لا تصلح لغيرها.

فقد ورد عن رسولنا الحبيب - عليه أفضل الصلاة والسلام - أن الله يبعث على رأس كل 100 عام من يجدد لهذه الأمة دينها، وهذا يعني أن التجديد أمر أقره الدين، وليس بدعة كما تروج الجماعات المتشددة، فإن كنا نريد خيرًا لهذا الدين فعلينا مراجعة وجرد الأفكار المنبثقة عنه، فما وافق الكتاب والسنة علينا تثبيته، وما خالف ذلك يجب أن يتم التخلص منه، لأن العقيدة أهم وأخطر شيء لدى الإنسان، فإن صلحت، صلُحت حياته وظفر بالسعادة دنيا وآخرة، وإن فسدت، فسد كل شيء، وما من انحراف في العقيدة إلا ويقابله انحراف في السلوك، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن العقيدة الدينية هي الأصل، التي يتمحور حولها حياة الفرد.

أصبحت الحاجة إلى تجديد الخطاب الديني ضرورة ملحة في عصرنا هذا، لكثرة التحديات التي تواجهنا، في ظل الهجمات الشرسة التي تشهدها المنطقة، التي تستوجب التخلص من الأفكار المغلوطة كي نحافظ على هويتنا، وإسلامنا الصحيح الذي يمتلك من المرونة ما يجعله مسايرًا لكل الأزمان، ومنسجمًا مع كل المستجدات، وقادرًا على استيعاب كل الاحتياجات البشرية والإنسانية في كل مكان.

إسلامنا دين تجديد، لكن للأسف هؤلاء المدعون الذين نصبوا أنفسهم أوصياءً عليه، هم من يقفون حائلًا بينه وبين المعاصرة والتجديد والإصلاح.
الجريدة الرسمية