رئيس التحرير
عصام كامل

أبونا "ميشيل" وتجديد فقه المواطنة


يستهوينى طرق باب المواطنة من حين لآخر.. ذلك أننى أراها الحالة التي ينبغى أن تحظى بالحضور المُلِح في ظل رياح الهواجس من آثار الربيع العربى.


ورغم قناعتى بأن المواطنة من الثوابت التاريخية الراسخة في مصر والمنطقة العربية، فإن المستجدات "الآنية" الطارئة تدفعنى إلى تَفَهُّم هاجس الخوف على المواطنة عند إخوتى الأقباط.. لكنى دائمًا أقصى حالة الخوف عليها تمامًا لأننا لو تأملنا قليلًا في التاريخ، نستطيع أن نضع أيدينا على الدور العظيم للمسيحيين العرب في بناء الحضارة الإسلامية أو لنَقُل حضارة العرب بكل عطاءاتها..

ومن التاريخ، ألتقط حقيقة مهمة وهى أن مسيحيى الشرق أسهموا في تنوير الفقه السياسي وتطويعه لخلق حالة مواطنة يشعر فيها كل إنسان يعيش على أرض الوطن بأنه على قدم المساواة مع سائر المواطنين دون تفرقة، له مناعة ذاتية لا تحتقر، وكرامة مصانة لا تمتهن، وقيمة أصيلة لا تستباح.. تلك هي المواطنة التي تضمن لكل أبناء الوطن العيش الكريم الحر الآمن المزدهر ولا يختلف عليها اثنان.

عندما أمسك بتلابيب اللحظة الراهنة فيما يتعلق بمسألة المواطنة، أستدعى حدثًا على جانب كبير من الأهمية، رغم مرور أكثر من عام عليه، كى أؤكد استحضار دور مسيحيي الشرق في تجديد صياغة فقه المواطنة.. الحدث هو مؤتمر عقد بلبنان في مايو 2013، تحت عنوان "الوجود المسيحى في الشرق.. حضور وشهادة" ضم المؤتمر مجلس الكنائس العالمى ومجلس كنائس الشرق الأوسط.

كان هاجس المواطنة حاضرًا، والرغبة في تجديد فقه المواطنة كانت أكثر حضورًا، وذلك ما صَبَغَ كلمة الافتتاح التي ألقاها الأب "ميشيل الجلخ" أمين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط، حيث قال: في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ منطقتنا، نشعر أكثر من أي وقت مضى بحاجتنا إلى التلاقى والتساند والحوار، ونوقن أنه لابد لنا من تفعيل عمل المجلس المضطلع بالحوار بين الكنائس المحلية والحوار مع المسلمين، وهى المهام التي تندرج في صلب حضور المسيحيين في هذا المشرق حيث الحضور المسيحى ليس عرضيًا أو مستجدًا بل هو تاريخى، لذلك تأتى معاناتنا في صلب انتمائنا إلى مجتمعاتنا المتألمة الباحثة عن سبيلها إلى العيش الكريم الحر.

أما وثيقة المؤتمر فقد اختتمت سطورها بالدعوة إلى صياغة ميثاق جديد للمعايشة الإنسانية، يرعى التنوع ويصون الاختلاف ويهيئ لأبناء الشرق أسباب العيش الكريم.

أليس ما دعت إليه الوثيقة هي حالة المواطنة التي تحَوْلَقَ حولها كل أبناء الوطن يهتفون "عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية"؟!
الجريدة الرسمية