رئيس التحرير
عصام كامل

هيكل.. والنبش في قبور الموتى ؟!


النبش في قبور الموتى ضرب من عدم التسامح، والإساءة لمن رحلوا.. وكنا نرجو لمصر بعد ثورتين عظيمتين أبهرتا العالم أن تتنبه نخبتها إلى ما ينبغي عمله للوطن لا إلى ما يتلذذون بالخوض فيه لشيء في نفس يعقوب.. وأن تسارع تلك النخبة لطرح أسئلة المستقبل ورهاناته، وأن تقدم رؤاها وتجاربها في ملفات مهمة كالتعليم والاقتصاد لانتشال السواد الأعظم من شعبنا من الفقر والعشوائية والصراع من أجل البقاء، ناهيك عن تحقيق الحلم في العدالة والمواطنة ودولة القانون وإنضاج الممارسة الديمقراطية واحترام أحكام القضاء بعد أن غرقنا طويلًا في انتكاسات الماضي وتصفية حسابات مع أموات لم يعودوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم، فضلًا على التكفير عن أخطائهم وزلاتهم أو القصاص منهم للمجتمع.. وظني أن الإصرار على ذلك يعمق الانقسامات ويضيع الأولويات ويغرق البلاد في توافه الأمور.. وكأن ثورة لم تقم، وكأن شيئًا لم يتغير.. فالتفكير هو هو.


كم أفزعني  -وأدهش غيري- إصرار الأستاذ محمد حسنين هيكل في لقاءاته التليفزيونية على قناة "cbc" على الحديث عن الماضي أكثر مما ينبهنا للمستقبل، ورغم أن كتاباته وأحاديثه عما جرى تفيدنا أحيانًا، وتمتعنا أحيانًا أخرى؛ باعتباره واحدًا من شهود عيان هذا الماضي وربما صناعه..لكنها في هذا التوقيت بالذات تدفعنا للحيرة وربما الاستغراب والألم فكيف لقامة صحفية كبرى -كالأستاذ- أن يكف عن إثارة أسئلة المستقبل بما يملك من وعي واستنارة وخبرة ورؤية، ويصر على استدعاء أشخاص من قبورهم، والأنكى هو إثارة الجدل والتشكيك في أحداث وانتصارات هي من المسلمات في ذاكرتنا الوطنية وأذهان أجيالنا، وهو مالا ترضاه الدول المتحضرة ولا حتى المتخلفة لنفسها؛ فكيف تقبل هذه الدولة أو تلك أن يهان تاريخها وأيامها المجيدة بوضعها على مشرحة النقد بل إنها تجرم مجرد الاقتراب منها.. فعل الأستاذ ذلك للأسف مع حرب أكتوبر وانتصارها العظيم ورموزها الوطنية، وقال إنه لا يعرف كيف ولا إلام انتهت، بل رأى أن إسرائيل استفادت منها أكثر مما استفادت مصر.. بدلًا من غرس الولاء والانتماء والاعتزاز بجيشنا وتضحياته في نفوس شبابنا.

كنت أرجو للأستاذ هيكل أن يعظم نصر أكتوبر ورموزه وتضحياته ومكاسبه في عيون أجيال لم تعشه، لا أن نشوش وعيهم ونحاصرهم بالشكوك في أمجد انتصاراتنا في العصر الحديث.. كما رجوت أن يبادر الأستاذ بتبصيرنا والأخذ بأيدينا بتقديم إجابة شافية لسؤال اللحظة: كيف تنهض مصر وتستعيد مكانها ومكانتها؟
الجريدة الرسمية