رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

شيء وحيد لم يلتفت إليه الرئيس!


في خطوة تكاد تكون صادمة لأنصار مبارك وإرثه العفن، خرج الرئيس السيسي بشكل غير مباشر ليعلن براءته من هذا الإرث قولا عن طريق لقائه مع بعض المشاهير من المثقفين وبعض أدعياء الثقافة القريبين من أي نظام ومن أي حاكم يُقدر له أن يعتلي عرش المحروسة.. المهم أن الرئيس فعلها وتنكر لمبارك وسياساته وأفعاله التي أجملها في جملة ذات بعد ديني شعبي وهي (منه لله مبارك).
 
بالطبع هذا شيء يُحسب للرئيس، وإن كان سيغضب الكثيرين من أرجوزات إعلام قنوات رجال أعمال مبارك الذين يمرحون منذ أمد بعيد، حتى قبل تحول السلطة في 30 يونيو.


بالطبع الرئيس كان يعلم جيدا أن حديثه المعلق شكلا لبعض المثقفين، سينقل حرفيا للشعب أو العامة وغير المحسوبين على الثقافة المصرية، مع أن الكثيرين منهم يفوق من حضروا ثقافة إبداعا وتثقيفا بل تأثيرا.. ربما لهم قراء ومتابعين في دنيا الثقافة الجديدة من فيس بوك وتويتر وغيرها من وسائل الاتصال التي تؤثر في حياة المصريين أكثر من كل من حضروا لقاء الرئيس أول أمس.. ولكن يبقى للرئيس بعض الثقة في الثقافة والمثقفين التقليديين، وهذا وحده محمود وحسن لولا شيء واحد لم يلتفت إليه سيادته وبعض المقربين منه ومستشاروه الذين لا نعلمهم بشكل رسمي حتى الآن!

الشيء الوحيد الذي لم يلتفت إليه الرئيس هو أن المصري لن يصدق كل هذا الكلام الجميل والتبرأ من فساد وجرائم وخيانة سياسات نظام مبارك إلا بسياسات مناقضة وأفعال وقرارات عملية تجعل المواطن المصري يشعر بأنه إنسان يحترم لإنسانيته المجردة عن المنصب والمال والنفوذ واللغة والدين والإقليم أولا، ثم مواطن ثانيا أي متساوٍ مع الكل في الحقوق والواجبات.. ثم يأتي بعد ذلك كل شيء آخر!

يبدو أن الرئيس ما زال يدرك هو ومؤسسة الرئاسة أن أغلبية مؤيديه يشعرون بفارق مقلق للواقع الذي يعيشونه مع الأحلام التي كانت ومازالت تراود الكثيرين منهم، خاصة فيما يتعلق بمصطلح (الرفق) الذي خرج به الرئيس عليهم بعدما عزل مرسي وطرح نفسه هو والظروف كمرشح أوحد للرئاسة، وبالفعل تم له ما أراد أو ما قدره الله لمصر (نصا) حسب ما صرح به الرئيس لجماعة المثقفين ولكن.. ظروف الحياة من غلاء متزايد وسوء في الخدمات وانتقاص يومي في الدعم أثار حفيظة الكثيرين من المؤيدين قبل المعارضين للرجل.. وعظيم أن يستشعر الرئيس ذلك لأن له تأثيرا سلبيا مباشرا على شعبيته تزامنا مع الحكم الأشهر في تاريخ مصر ربما بعد حكم مهزلة دنشواي في 1906!

بالفعل شعر الرئيس بذلك، وسبق المتنطعين الذين لا يشعرون بتأثير الغلاء وصعوبة الحياة على أغلبية المصريين مع أن هذا هو لب السياسة، فالناس لا يهمها الأيديولوجيا ولا مسميات التظلم بقدر ما يهمهم الحصول على قدر معقول من الحقوق وفرص الحياة، وأعتقد أن هذا متعسر جدا في مصر منذ سنوات، ولكنه واضح جدا في هذه الأيام، التي لخص هويتها أحد العمال بالمقولة الشهيرة (أيام سوداء).

تم ربط ذلك باستعادة ذاكرة المصريين، وهو شيء نادر حقا، لمبارك ورموز نظامه وأرجوزاته وسياساته، بالحكم على مفسد مصر ومخربها كما وصفه الرئيس السيسي بذلك!

خشى الرئيس على ربط ظاهري أو حتى باطني بينه وبين مبارك، الاثنان من خلفية عسكرية، الاثنين وصلا للحكم في ظروف استثنائية دقيقة كان فيها الإسلام السياسي فاعلا أصيلا، مقتل السادات على يد تنظيم منشق عن الإخوان، ثم وصول الإخوان للحكم بعد ثورة ثم إزاحتهم بثورة أخرى تضافر فيها الجميع لإسقاطهم، الدولة مع الشعب مع كافة المؤسسات.. ثم أمل من الشعب في مستقبل أفضل، للأسف ينقلب لإحباط وانكسار وحالة عزوف عن الوطن والسياسة وربما الحياة، كما حدث في حالات الانتحار التي وصلت لـ 55 حالة في شهرين فقط!

يبدو أن التقارير الواردة للرئيس نبهته كثيرا لهذا الربط؛ خاصة مع حديث الأستاذ هيكل عن ضرورة ثورة الرئيس على نظام مبارك وما سبقه من حديث لشخصية لا يمكن وصفها بالمعارضة مثل وحيد حامد، خاضت في نفس الموضوعات والسياسات بشكل أكثر مباشرة من هيكل، وبالطبع أدرك الرئيس وقع ذلك فكان حديثه للشعب عبر رموز من مثففي الدولة (شبه الرسميين).

فقط ما أود التأكيد عليه هو أن الرئيس يمكنه الاستغناء عن كل ذلك بمجموعة قرارات وتشريعات بسيطة يمكنها خلق شعبية حقيقية له ومساندة عامة وخاصة حتى عند أكثر المعارضين له.. يتبع بإذن الله.

fotuheng@gmail.com
Advertisements
الجريدة الرسمية