رئيس التحرير
عصام كامل

وجهة نظر سياسية حول محاكمة القرن!


أثار حكم البراءة الذي حصل عليه الرئيس السابق "مبارك" وضباط الداخلية أصداءً جماهيرية متضاربة.

ففي الوقت الذي احتفل فيه أنصار "مبارك" ممن تجاهلوا تاريخه الذي يتمثل في الفساد السياسي بكل صوره، الذي جعله يتحالف مع مجموعات منحرفة من رجال الأعمال الذين نهبوا ثروة البلاد، وراكموا ثرواتهم الحرام على حساب الملايين من الشعب المصري الذين تم إفقارهم وسد أبواب الأمل في الحياة الكريمة أمامهم، وجدنا جماعات أخرى -وخصوصًا بين شباب ثورة 25 يناير ودوائر سياسية أخرى - تستنكر الحكم بشدة - وتعتبره إعلانًا جهيرًا عن فشل الثورة في تحقيق بعض أهدافها المشروعة، وأهمها على الإطلاق محاسبة المسئولين عن الفساد السياسي، أيًا كانت مواقعهم واسترداد الأموال المنهوبة.


وبعيدًا عن التعليق على الحكم - ونحن نحترم قاعدة عدم جواز التعليق على الأحكام القضائية - لابد لنا أن نحلل الأسباب التي دعت إلى إصداره.

من المعروف أن القضاء الجنائي، كما يعرف أهل القانون، يقوم على اقتناع القضاة وفق أدلة ثابتة وقاطعة بنسبة الجريمة إلى المتهم، وهذه الأدلة لابد أن يتضمنها ملف القضية الذي تعده في الأساس النيابة العامة.

غير أن التهمة التي حوكم بشأنها "مبارك" وقيادات الداخلية عرفت تعريفًا بالغ الضيق يتمثل في سؤال رئيسي: هل قام "مبارك" تحريريًا أو شفهيًا وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالأمر بقتل المتظاهرين الذين تجمعوا في ميدان التحرير يوم 25 يناير والأيام التالية له؟

وسؤال آخر، هل أصدر "العادلي" وزير الداخلية المتهم أوامره للضباط والجنود بإطلاق النار على المتظاهرين؟

لم تجد المحكمة في الإجابة عن هذه الأسئلة الحاسمة إجابات مقنعة في أوراق الدعوى، بمعنى لم تجد ما يدل على أن "مبارك" أو "العادلي" أصدر مثل هذه الأوامر، وبالتالي كان منطقيًا أن تحكم بالبراءة.

وفي تقديري أن المشكلة تتمثل في أن التهم التي وجهت إلى "مبارك" و"العادلي" وأعوانه لا ترقى إلى مستوى الجرائم الخطيرة التي ارتكبها "مبارك"، التي تتعلق في المقام الأول بجرائم سياسية وليس بجرائم جنائية تفتقر إلى الدليل!

ومن هنا يمكن القول إنه عقب الثورة – ولأنه لم يتشكل لأسباب مختلفة مجلس ثوري لإدارة شئون البلاد في المرحلة الانتقالية – لم يصدر قانون ثوري للعقاب على جرائم الفساد السياسي، محددًا أركانها المادية والمعنوية طبقًا لقواعد التجريم المتبعة، ولا مشيرًا إلى العقوبات المحددة لكل جريمة.

بعبارة أخرى، كانت هناك حاجة ماسة إلى إجراء محاكمة سياسية "لمبارك" وأعوانه، لا مجرد محاكمات جنائية تعوزها الأدلة المقنعة.

ولعل السبب في ذلك أن المرحلة الانتقالية التي قادها على عجل المجلس الأعلى للقوات المسلحة تعثرت تعثرًا شديدًا، لأن المجلس كان هدفه ضمان الاستقرار السياسي للبلاد بعد الثورة، وهو في هذا الصدد كان ينبغي عليه في الواقع العمل على تشكيل مجلس رئاسي يضم في عضويته، بالإضافة إلى مجموعة مختارة من الشخصيات العامة المقبولة جماهيريًا، التي لم تنغمس في جرائم الفساد السياسي التي سادت في عصر "مبارك"، ممثلين حقيقيين للائتلافات الثورية التي أشعلت فتيل الثورة.

وبدلًا من ذلك، تسرع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في تشكيل لجنة هوى غالبيتها العظمى إخواني؛ لإصدار إعلان دستوري ينص على إقامة الانتخابات البرلمانية قبل الانتخابات الرئاسية.

وتم الاستفتاء على ذلك، وكانت النتيجة المتوقعة بنعم على عقد الانتخابات البرلمانية أولًا، بحكم التعبئة الدينية والسياسية التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين.

وبالتالي فقدت التيارات الثورية والليبرالية واليسارية فرصتها التاريخية، في أن تمثل بأعداد كافية في مجلسي الشعب والشورى، ونجحت بذلك جماعة الإخوان المسلمين في الحصول على الأكثرية.

وانتقلت من بعد إلى الدفع بمرشح لرئاسة الجمهورية هو الدكتور "محمد مرسي"، الذي نجح بمعدلات غير مرتفعة نتيجة للأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها التيارات الثورية والليبرالية.

وهكذا يمكن القول إن الخطأ الجسيم لا يتمثل في حكم البراءة الذي صدر وفقًا لصحيح القانون، ولكن في عدم المحاكمة السياسية "لمبارك" وأعوانه.

والواقع أن حكم البراءة الذي أصدرته المحكمة، يتضمن في حيثياته، إدانة سياسية كاملة للجرائم التي ارتكبها "مبارك" وأعوانه، سواء كان ذلك في المجال السياسي أو التنفيذي، غير أن هذه الإدانة لم يترتب عليها إصدار العقوبات المناسبة؛ لأن قانون العقوبات الذي تمت المحاكمة على أساسه لا يتضمن جرائم الفساد السياسي.
الجريدة الرسمية