رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

« في شرفة ليلى مراد».. الإله يزغط البط

 ليلى مراد
ليلى مراد

أسفل «شرفة ليلى مراد» وقف شاعر ريفي ملقيًا أبيات شعر بيتا تلو الآخر وما إن فرغ مما في جعبته، وجد نفسه محاصرًا بمجانيق العقاب، فكلماته «إهانة للذات الإلهية»، وجوائز الدولة «خسارة فيه»، ومحاكمته «أمر واجب»


بين يوم وليلة، وقف الشاعر حلمي سالم ليلتقط أنفاسه بصعوبة، فالكلمات التي وصلت بإبداعه في قصيدته «شرفة ليلى مراد»، خسفت به إلى سابع أرض، ومن بين الأبيات التي دفعت به إلى الهاوية:

«الأحرار»
الرب ليس شرطيا
حتى يمسك الجناة من قفاهم،
إنما هو قروى يزغط البط،
ويجس ضرع البقرة بأصابعه صائحا:
وافر هذا اللبن
الجناة أحرار لأنهم امتحاننا
الذي يضعه الرب آخر كلّ فصلٍ
قبل أن يؤلف سورة البقرة

«الطائر»
الرب ليس عسكري مرور
إن هو إلا طائر،
وعلى كل واحد منا تجهيز العنق
لماذا تعتبين عليه رفرفته فوق الرءوس؟
هل تريدين منه
أن يمشى بعصاه
في شارع زكريا أحمد

تعرض «سالم» لانتقادات لاذعة بسبب قصيدته «شرفة ليلى مراد»، بل تسببت في سحب جائزة التفوق في الآداب، التي منحها له المجلس الأعلى للثقافة وقيمتها 50 ألف جنيه.

الأزمة بدأت، عندما وجه الشيخ يوسف البدري عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، الشهير بـ«شيخ الحسبة»، إنذارًا على يد محضر لوزير الثقافة فاروق حسني ورئيس المجلس الأعلى للثقافة على أبو شادي، آنذاك، طالبهما فيه بسرعة تنفيذ الحكم الصادر لصالحه من محكمة القضاء الإداري في أبريل 2008، بسحب جائزة الدولة من الشاعر حلمي سالم.


«سالم» شاعر وناقد مصري، ولد في محافظة المنوفية عام 1951، ويعتبر من أبرز شعراء مصر في سبعينيات القرن العشرين، حصل على ليسانس الصحافة في كلية الآداب جامعة القاهرة، ثم عمل صحفيًا بجريدة الأهالي، ثم مديرًا لتحرير مجلة أدب ونقد (الثقافية)، ورئيسًا لتحرير مجلة قوس قزح الثقافية المستقلة.

حصل الشاعر حلمي على جائزة التفوق في الآداب للعام 2006 عن مجمل أعماله الأدبية، واقترن بجماعة «إضاءة» الشعرية، التي كانت برفقة جماعة «أصوات»، وهي واحدة من أشهر الكتل الشعرية في السبعينيات، وتوفى الشاعر في 28 يوليو 2012.

وتتمثل مشكلة الشاعر في قصيدته السابقة، بتشبيه «الله» بالقروي الذي يزغّط البط ويحلب الماشية، ويدخل امتحانًا قبل أن يؤلف سورة البقرة، وفقًا لما تضمنته أبياته، وهو ما دفع «البدري» للمطالبة قضائيًا بسحب جائزة التفوق في الآداب منه.

القصيدة أحدثت ضجة وقت نشرها بمجلة إبداع التابعة للهيئة العامة للكتاب، وتسببت في مظاهرات وإضرابات قام بها عمال المطابع التابعة للهيئة التي سارعت وقتها بوقف توزيع العدد وسحبه من الأسواق.

وكان وزير الثقافة فاروق حسني أعلن أثناء تلك الأزمة أنه لا يقبل نشر شيء فيه مساس بالمقدسات، كما قرر الأزهر في تقريره الذي أرسله للمحكمة أن ما جاء بها «لا علاقة له بالفكر والإبداع، وأنها تحمل إلحادًا وزندقة وهذا وصف للقصيدة لا للشاعر».

النقد والهجوم على «شرفة ليلى مراد» لم يتوقف في الأبيات السابقة فحسب، بل لاقت باقي الأبيات عدة انتقادات، وهذا نوذج آخر:

«نظرية»
البكارة
ملك الأبكار
وحدهم
حتى لو كرهوا
نظرية التملك

فقد تحدث الشاعر عن موضوع البكارة، التي تدل على عفَّة الفتاة وشرفها عند العرب والمسلمين، يتحدث وفقًا للمنظور الغربي؛ فالفتاة هي التي تملك جسدها، وهي حرة تفعل به ما تشاء.


وهذا نماذج أخرى:

«رومانسية»
نقاوم الشجن بعصر ما بعد الصناعة
لكن مشهد عبد الحليم وأخيه
في حكاية حب
ينتقم للقتلى

وتحدث «سالم» في هذه الأبيات عن العصر الحديث وضياع الرومانسية، التي يرى وجودها في فيلم عبدالحليم حافظ «حكاية حب»، وفيه مشهد ينتقم للقتلى، ولا يخفى ما فيه من ركاكة شديدة في الكلمات والتعبير، عرضته للانتقاد أيضًا.

«الأزبكية»
يقسو على نفسه موبخًا: يا لطخ، الجميلات لا يصح أن يصعدن السلالم وهن معلقات على ذكرى الأب الذي يظهر خفيفا في القصص.

ظلت دعوة الشاى مؤجلة حتى ماتت التي في مقام الأم أثناء حمى الطوائف.. وقبل موتها بربع قرن اعتزلت ذمية تياترو الأزبكية ليصير لديها وقت لتناول الينسون كطيف من زمان السلطنة.

لعلي أنا الذي في الحديقة، أمزج الشحاذة بالغرام، مصطنعا الاعرجاج في ساقي، والعكاز تحت الإبط، فهل أن الواقفة في شرفة ليلى مراد؟


وأثارت هذه الأبيات أدت إلى إثارة جدل واسع، حاول الشاعر حلمي سالم توضيحه وتفسيره في مداخلة هاتفية على قناة الحياه في عام 2008، وقال إن بعض الشيوخ قدموا بلاغات ضده بدعوى أن هذه القصيدة بها مساس بالذات الإلهية وضغطوا على هيئة الكتاب التي تصدر عنها مجلة «إبداع»، فآثرت الهيئة السلامة وتم إيقاف عدد المجلة ثم أعيد نشره بعد حذف القصيدة من المجلة.

وأضاف النيابة حققت معه بسبب هذه القصيدة، بسبب القراءة الضيقة التي قام بها بعض الشيوخ من خارج الأزهر، وهذه القراءة المتربصة الحرفية، لم تكن من جانب الشيوخ فقط، ولكن أيضًا من بعض المثقفين، فهذا اتجاه في منظور القراءة في مصر والبلاد العربية التي تحمل الكلام على معناه الحرفي الأولى وتتجاهل أن الشعر هو كتابة مجازية بها خيال وهو ما يفتح باب الأزمات.

سالم شدد على أن قصيدة «شرفة ليلى مراد» لم يكن بها أي تطاول بل على العكس وبرأي كثير من النقاد بها مسحة صوفية دينية، وتحمل دلالات محبة لله.

«فوق»
رمزية الترمس،
وسماء تحتَكُّ برهة بنهدين،
ثم تلتف حول نفسها مسطولة
فوق:
ونحن معلقان في الفراغ
كان لابد أن تقال كلمة مشبوهة
قبل أن تضمحل الدول

الأمر البارز هنا أن محكمة القضاء الإداريّ، حين أصدرت قرارًا بإلغاء ترخيص مجلة «إبداع»، قالت في حكمها: «إن المجلة الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب ويرأس تحريرها الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي قامت بنشر قصيدة بعنوان (شرفة ليلى مراد) للشاعر حلمي سالم تتضمّن إساءة للذات الإلهية».

«ثبت لدينا أن القصيدة وردت بها ألفاظ تسيء إلى رب العالمين، وأن هذا الفعل يباعد بينها وبين رسالة الصحافة ومن غير المعقول أن يكون هذا العمل قد نشر عبثًا دون أن يمر على القائم على هذه المجلة الأمر الذي يؤكد أنّ بعضهم لديه القناعة والاستعداد لنشر مثل هذه الإسفافات المتطاولة على ربّ العالمين»، وفقًا لما جاء بالحكم.

المحكمة اعتبرت أنّه «إذا كانت الصحافة حرّة في أداء رسالتها إلاّ أنّ هذه الحرّية يجب أن تكون مسئولة ولا تمسّ بالمقوّمات الأساسية للمجتمع المصري والأسرة والدين والأخلاق».
Advertisements
الجريدة الرسمية