رئيس التحرير
عصام كامل

متى سنحترف صناعة الحب؟


قال الشاعر الكبير «نزار قباني» في إحدى قصائده: الحب في الأرض بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لاخترعناه.. 

تذكرت هذا البيت وأنا أتأمل العالم من حولي، وأتألم من مشاهد العنف التي يشيب لها الولدان، وأتعجب كيف تتحمل الكرة الأرضية كل هذا الشر والتباغض والعنصرية والطائفية بين أبنائها دون أن تنفجر كالبالون، بعد أن أصبحت مملوءة عن آخرها بكل هذه المشاعر المحتقنة والطاقات السلبية التي تعادل في خطورتها قنبلة ذرية.

كيف وصل بنا الحال إلى درجة احتراف مهارات إيذاء النفس والغير والتفريط في الحب واستبداله بالعداء؟، لماذا لم يعد لدينا القدرة على الحب وسيطر على عالمنا مشاعر الأنانية والجحود إلى حد إنكار الإنسان لحقوق أخيه الإنسان؟

أشعر بالشفقة على هذا الكوكب التعس الذي ابتُلِي بكائنات تحترف صناعة الكراهية وتتنفسها بدلًا من الهواء، وليس هذا فحسب بل تسعى جاهدة لضخها في رئة العالم؛ لتفريغه بشكل كامل من كل القيم التي تدعو إلى المحبة والإخاء.

للأسف امتهان الكراهية وإتقانها بات جواز المرور للعيش في هذا العالم، رغم أن تكلفتها باهظة الثمن، ناهيك عن كون الكراهية الشرارة الأولى للحروب وما ينتج عنها من دمار شامل ودماء أبرياء تخضب الأرض، وأشلاء تتناثر هنا وهناك، ومشردين بلا مأوى وضحايا بالملايين، إلا أن الإصرار على ممارسة الكراهية أصبح من أهم سمات الشخصية المعاصرة التي يبدو أنها فقدت في زخم التطور التكنولوجي وثورة المعلومات والاتصالات، إنسانيتها بالشكل الذي جعل منها مخلوقا متحجر العواطف لا يتأثر ولا يخفض جناح الرحمة لمن هم دونه.

لا نبالغ إذا قلنا إن الكراهية داء العصر بلا منازع، فقد قال عنها العالم الجليل دكتور «مصطفى محمود» إنها إحساس غير طبيعي وإحساس عكسي مثل حركة الأجسام ضد الجاذبية الأرضية، تحتاج إلى قوة إضافية وتستهلك وقودًا أكثر.

خلقنا الله بفطرة سليمة ونفس سوية مقبلة على الحياة ومحبة لها، ومع ذلك نفني أعمارنا في مشاعر كريهة لا تجلب إلا الشر وتمنعنا من الاستمتاع بالنعم التي حبانا الله بها، العالم - ومصر جزء منه - بحاجة إلى إعادة تأهيل نفسي وإصلاح اجتماعي لاستعادة إنسانيته المفقودة، ولن يحدث هذا إلا عندما نطهر ذواتنا من الأفكار الرديئة والسلوكيات الملتوية، واستأصال المركز المسئول عن تضخم مشاعر الكراهية في النسيج البشري للقضاء على المسببات التي تخلق صراعات ومشاكل الهوية وتُحدث ضررًا بالغًا بالبشرية.

أحلم باليوم الذي يعتزل فيه المجتمع الإنساني الكراهية ويحترف صناعة الحب والتسلح بثقافة التسامح التي هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والسلام المجتمعي، فتبادل مشاعر المحبة مع الآخرين لا يكلف شيئًا بل بالعكس يساهم في تعزيز العلاقات الاجتماعية ويحقن الدماء ويجنب البلاد والعباد الكثير من الويلات.

ليت العالم يأخذ بنصيحة «نزار» ويخترع الحب مرة أخرى في زمننا الذي ندر فيه الحب وجفت فيه المشاعر وتبلدت الأحاسيس، وتحول الحب إلى مجرد تعبير مهذب للرغبات الجنسية والشهوات الحسية، زمن طغت فيه المصالح وتحكم المال في العلاقات بين الناس وبين الدول.

كم أحوجنا إلى أن نستظل جميعا براية الحب بمعناه العام ومفهومه الواسع من حب للحياة وحب للإنسانية وحب للجمال وحب الخير للغير، حب منزه عن كل غرض يسمو بالنفس ويهذبها، فقط الحب للحب كقيمة تضمن السعادة للإنسان وتمنحه الشعور بالطمأنينة.
الجريدة الرسمية