رئيس التحرير
عصام كامل

المسكوت عنه في محاكمة مبارك


لم يستغرب أي متابع للحكم النهائي الذي صدر فيما يسمى اصطلاحا بمحاكمة القرن، وهي محاكمة مبارك وبعض من أعوانه، لأن مسار محاكمة مبارك منذ اللحظة الأولى لإحالته للنيابة في أبريل 2011 يدل على ذلك، فالتهمة الرئيسية التي وجهت إليه لم تكن عن مسببات الثورة، ولكنها كانت عما حدث في الأيام الأولى من الثورة وهي تهمة قتل المتظاهرين.. وكأن الملايين الذين خرجوا ضد نظامه لم تكن هناك أسباب لخروجهم يمكن أن يحاكم عليها مبارك سوى بضعة فيلات لم يعرف عنها معظم الناس شيئا..

مبارك ببساطة شديدة حوكم بأسلوبه وبسياسته وبآليات نظامه وليس عن أسلوبه وسياسته وآليات نظامه، وتلك هي الكارثة التي تسببت في هذا الكم الهائل من البراءات التي حصل عليها هو ومساعدوه.. فجرائم مبارك الكبرى لم يحاكم عليها حتى الآن، وهذا ما يتناقض تناقضا شديدا مع حالة الثورة، فكان الأحرى والأنجع هو محاكمة مبارك سياسيا على جرائمه الممتدة على مدى ثلاثة عقود حكم فيها الدولة.. أهدر استقلال مصر وسيادتها وحولها إلى دولة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، فمكنها من السيطرة على القرار السياسي والاقتصادي، فتوقفت كل ملامح التنمية في البلد ليصل عدد من يعيشون تحت خط الفقر إلى أكثر من أربعين مليونا، والنظام غير مكترث سوى بالتوريث وانتهاك الدستور وتزوير الانتخابات، وهي جرائم أخرى تضاف إلى جرائمه العديدة على جميع الأصعدة الخارجية والداخلية..

فقد قرر المذكور أن يتنازل عن دور مصر الريادي في المنطقة وقيادتها للأمة العربية، ليكون مجرد كنز إستراتيجي للكيان الصهيوني فيقدم له كامل الدعم اللوجيستي ضد مصالح الشعب المصري وأمنه القومي ومصالح الأمة العربية، وليس مستغربا التقرير الصادر مؤخرا عن مجلس الشيوخ الأمريكي الذي يقول إن مصر كانت من أهم مراكز التعذيب التي تستخدمها المخابرات الأمريكية.. ناهيك عن حالات انتهاك حقوق الإنسان التي لا تعد ولا تحصى وتزوير الانتخابات البرلمانية وتصفية الاقتصاد الوطني، وغيرها من التهم التي لم يحاكم عليها مبارك وهي التهم المسببة لاندلاع ثورة 25 يناير ضده.

لا يمكن التحدث عن براءة مبارك دون أن نتطرق إلى كيف وصلت محاكمة مبارك لهذا المنحى الذي لم يرض عنه كل من ثار ضده، فالمتسبب الأول هو المجلس العسكري الذي لم يقبل بتحويل مبارك وأعوانه لمحاكمة سياسية ضاربا عرض الحائط بأحد أهم مطالب الثوار بل زاد الطين بلة حين لم يحاكم أهم ثلاثة شخصيات في نظامه إلا بعد شهور من قيام الثورة، وهم فتحي سرور وزكريا عزمي وصفوت الشريف، وجاء بعد ذلك الإخوان ليتجاهلوا أيضا مطالب الشعب بمحاكمة مبارك سياسيا بل رفضوا مطلبا في البرلمان لمحاكمته سياسيا واستمرت المحاكمة كما هي.

ثم جاءت ثورة 30 يونيو لتقضي على جماعة الإخوان ومحاولة استعادة أهداف ثورة يناير، ولكن حتى الآن لم يحاكم مبارك سياسيا على جرائمه الحقيقية ولا يوجد في الأفق ما يبشر بذلك.

إن براءة مبارك هو اتهام مباشر لثورة يناير وإدانة ضمنية لها وإهدار لدماء زكية سالت وأرواح طاهرة زهقت في سبيل التغيير المنشود وإسقاط نظام مازالت رموزه حرة طليقة بيننا، تجدد نشاطها لتستعيد بعضا من دورها المفقود.
الجريدة الرسمية