رئيس التحرير
عصام كامل

من الأخطل حتى ريهام وصولًا للمخدرات الحلال !


بعيدًا عن مصطلحات صارت مستهلكة في حياتنا الثقافية والاجتماعية مثل فلنكف عن (جلد الذات) وما تلاها من مكملات شكلية جوفاء مثل انحسار الظواهر الفاسدة والصادمة في البيئات المهمشة والفقيرة وثقافة العيش، يصدمنا الواقع بأكثر من ذلك بكثير حتى أننا أصبحنا بحق مسخة العالم وأضحوكته التي يتسلى به في ركن النوادر في الصحافة العالمية ولكن للأسف لا نتسفيق ويبدو أننا نحب أن نستمر في تلك الغيبوبة والتردى الثقافى والاجتماعي والحضاري المبهر لغيرنا من شدة حماقته !


وإحقاقًا للحق، فليس ذلك نتيجة يوم وليلة أو حتى بفعل فساد نظام مبارك العفن وحده، الذي أتى على ما تبقى من جينات الرقى المصرية واستبدالها بجينات التخلف والفساد والرجعية، الحق أننا في التردى الثقافى المذهل منذ قرون طويلة جدًا، ربما قبل الاحتلال العثماني وتسلط العبيد المماليك علينا، قبل ذلك بكثير عندما اختلطنا بالثقافة العربية، وليست الإسلامية، فالإسلام براء من كل ذلك اللغو، دون تنقيح ودرسنا الغث منها بجانب السمين بالطبع ولكن يبدو أن الغث كان أكبر تأثيرًا حتى وصلنا لمرحلة ريهام سعيد وأشباحها وسعيد حساسين وإعجازاته الطبية غير المحدودة بالأعشاب السحرية وطبعًا لن أتحدث عن إبداع اللواء عبدالعاطى في إبادة جميع الفيروسات حتى تنتهى مهلته بنهاية الشهر الجاري، مرورًا بحلقات التوعية السياسية النادرة لمفجر ثورة 30 يونيو عكاشة رائد تزغيط البط، هو بنفسه راهن الدكتور البرادعى على هذا واعتبره أساسًا ثقافيًا وفكريًا لمن يترشح لرئاسة المحروسة المنورة بسيادته !

ثقافتنا المصرية والتي خشى عليها من الضياع طه حسين في كتابه المعنون (مستقبل الثقافة في مصر)، ملوثة من الأساس تأثرًا بتفاهات في الثقافة العربية ألبسناها ثوب الإبداع والفكر، فماذا تنتظر من أمة تضع سفيهًا على قمة الشعر العربى! فالشاعر العربى الأخطل والذي استغنى عن اسمه الحقيقى: غياث بن غوث، باسمه المستعار الأخطل أي السفيه يُدرس لطلابنا في المناهج الحكومية كشاعر فحل من شعراء الفصحى بينما هو بحق سفيه قولا وفعلا.. ثم تتم دراسة من هم أسفه منه أيضًا مثل جرير، معناه حبل، والفرزدق ومعناه الرغيف المفتت، جميعها ألقاب تنم عن واقع عربى انعزل ثقافيًا عن العالم حوله مكتفيًا بالنوادر والتفاهات وشعر الهجاء والسب والقذف تسلية للخليفة أو الوالى أو مدحًا نفاقًا لسموه وتكسبًا حرامًا من مال عام مؤتمن عليه ! يعنى خليفة سفيه وتافه وأيضًا حرامى وأفاق والبعض ما زال يتغنى بوهم الخلافة !

تخيل أن طلابنا يتم تربيتهم على شعر هؤلاء وثقافتهم التافهة بينما لا يعرفون سوى القليل جدًا عن حافظ إبراهيم وصلاح عبد الصبور وأحمدعبدالمعطى حجازى وفؤاد حداد وصلاح جاهين وفؤاد قاعود وسيد حجاب وغيرهم، بالطبع تكون التسلية الرخيصة هي من تجذبهم وتمنحهم سعادة برؤية أبواق التخلف في الإعلام المصري.

ماذا تنتظر من أمة التعليم فيها آخر اهتماماتها وإن تم يكون عن طريق التلقين والاسترجاع بينما غاية هدفها هو الوصول لكأس العالم لكرة القدم.. يا سلام على الهدف العظيم السامى الذي تفرد له حلقات يومية ومليارات يعبث بها أصحاب الأقدام وخدمهم من تجار الإعلام الرياضى، بينما الطلاب لا يجدون مقعدًا في معظم مدارس الحكومة والمسئولون يعلمون أن التعليم في مصر على الورق ويتم فعليًا خارج مؤسسات الدولة في المراكز الخاصة !

البنية الثقافية والبيئة الاجتماعية في جملها تشجع على الجهل والتمتع بالخرافات، وخاصة عندما يتم ربطها بواقع اقتصادى مرير وظلم اجتماعى فاجر ومساواة منعدمة وسيادة لقيم السوق وبيع كل شىء، ثم المتاجرة بكل قيمة وتسفيهها طمعًا في زيادة حصيلة الإعلانات وتكديس الأموال الحرام في جيوب عصابات رجال الأعمال الذين أفقروا الشعب وألقوا به في غياهب الجهالة والعذاب اليومي وراء لقمة العيش بالتعاون مع نظام مبارك الذي لم يسقط فعليا حتى اليوم، فيتلقفه صبيانهم من تجار الإعلام الذي يغيبهم أكثر من المخدرات التي تباع في الأسواق جهارًا !

شعب مطحون منتهك ومنهك طوال اليوم بلقمة العيش والحرص على ضمان شهادة تعليمية شكلية لصغاره والسعى وراء شقة إيجار مؤقت تأويه... ليس عنده وقت بعد الشقاء سوى للتسلية والتغييب طمعًا في مخدرات (حلال) رخيصة ومرخصة قانونًا تلهيه وتسرى عنه واقعة الأسود، هذا الشعب لن يقاوم خرافات عفاريت الست ريهام ولا رقصات الست دينا ولا صخب سعد الصغير ولا عبقرية حساسين في علاج كل شىء ومازلنا بالطبع في انتظار معجزات عبد العاطى...
أديها عيشة وخلاص... رحماك يا رب !
fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية