رئيس التحرير
عصام كامل

رواد حتى فى التعذيب!!


في لحظة ضمير إنساني تعلن وزارة الداخلية المصرية أنها ليست أقل شفافية من الولايات المتحدة الأمريكية، وأننا بصدد عهد جديد لابد وأن يبدأ بطرح الحقائق على الرأي العام، مهما كانت قاسية، ودامية، ولاإنسانية، وسيتضمن الإعلان الأمني عزم الوزارة على إصدار تقرير كامل عن التعذيب في عصر مبارك، وستطالب القيادات الأمنية بالحصول على عهد شعبي ووعد جماهيري بعدم فتح مجال للمحاكمات.

على الفور تشكل لجنة من وزارة العدل تتلقى بلاغات بهدف الشهادة من ضحايا التعذيب، إضافة إلى عقد لقاءات مع قادة أمنيين ضالعين في التعذيب، أو متورطين بالصمت، أو مشاركين في أي من مراحله، وستعلن على العامة أنها ستصدر تقريرا لا يتضمن الأسماء وإنما بأسماء حركية.

ومن أجل الوصول إلى الحقيقة تستعين لجنة العدل بكافة التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان طوال فترة البحث، وتلتقى بكل المعتقلين الذين قضوا مددًا -مهما قصرت أو طالت- للاطلاع على تفاصيل ما حدث، وتقديمه للرأي العام المصري، حتى يكون نهاية حقيقية لواحد من أخطر الملفات الشائكة، بدءًا من الدور الرابع بمبنى لاظوغلى وما أشيع عنه، مرورا بسجون العقرب شديدة الحراسة، ووادي النطرون ١ و٢، والوادي الجديد، وأبى زعبل، والليمان شديد الحراسة، والفيوم، وطرة، وغيرها من سجون وسلخانات مصر.

وسوف تعلن اللجنة عن الالتقاء بأقدم سجين سياسي مصري، نبيل عبد المجيد المغربي، لتتحرى روايته عن الأمر، وناجح إبراهيم، ونبيل عبد النعيم، الذي روي قديما بعض فصول المأساة، وعلاء شتا، ومحمد حسنين، والمحامي سيد فرج، وعلى الدينارى، وغيرهم من المئات الذين ذاقوا العذاب ألوانًا.

ولن تتجاهل اللجنة لقاء رابطة المعتقلين السياسيين؛ للاطلاع على ما لديها من وثائق، ولن تغفل الالتقاء بحبيب العادلى، وغيره من الوزراء ممن هم على قيد الحياة؛ لتقديم شهاداتهم أمام التاريخ، حتى لا يعود مرة أخرى شبح التعذيب للظهور، واستخدامه ضد الخصوم السياسيين، أو حتى ضد المتطرفين فكريًا.

أيضا سيكون للسيدين حافظ أبو سعدة ونجاد البرعي وغيرهما ممن عملوا في مجالات حقوق الإنسان أدوارا مهمة، خلال فترة التحقيق التي تعكف عليها لجنة وزارة العدل، ولن يكون مفاجئًا للجميع الحديث عن أنماط التعذيب التي استخدمت طوال فترة التحقيق، خاصة ما يعرف بالعروسة، والشومة، والكرباج، والصعق الكهربائى، وبعض الأجهزة المستوردة من دول أوربية، ومن أمريكا، إضافة إلى الحبس الانفرادي، والاعتداء على السجناء في مناطق حساسة من أجسادهم، وعدد الوفيات من ضحايا التعذيب.

مئات الشهود سيدلون بما جري لهم ومعهم، وسوف تحقق اللجنة كل شهادة على حدة، ليس بقصد توجيه الاتهام، ولكن بقصد خلق ضمير مجتمعي ضد التعذيب، يحمى المجتمع والجهاز الأمني من عار التعذيب، وسوف يتضمن التقرير صورا من أنماط التعذيب، ووسائله، وأدواته، وأبطاله، وقد يصدر كتاب أسود بمن تورطوا في هذه الجريمة النكراء، ليكونوا عبرة أمام مجتمع لن يرضي مرة أخرى بتكرار تلك الكارثة.

الخوف أن يخرج علينا التقرير لنعرف بعده أن الأمريكان لايزالون صبية صغارًا في هذا الملف، وأننا المحترفون بلا منازع، وأننا سادة الكون بلا منافس، وأننا أصحاب ريادة في هذا الملف، كما نحن أصحاب ريادة في ملفات أخرى، وما نخشاه أيضا أن يكون التقرير المصري بمثابة شهادة براءة لنظام بوش الذي تطارده اللعنات من كل حدب وصوب، وأتصور أنه من المهم ألا تقترب اللجنة من ملف تعاون نظام مبارك مع الأمريكان، لاستنطاق من فشلوا في استنطاقهم هناك، فتكون الكارثة على مصر، وليس على مجرمي التعذيب.
الجريدة الرسمية