رئيس التحرير
عصام كامل

عصر التلوث السمعي والبصري والنفسي


نحن نعيش عصر التلوث البيئي والسمعي والبصري وأعلى درجة من درجاته، ومع ذلك لا نأبه للخطر الداهم بنا لدرجة أننا أصبحنا نتعايش معه وكأنه جزء لا يتجزأ من حياتنا..

الضوضاء والصخب لا تفارقنا ما بين كل لحظة وحين.. في الشوارع والمنازل والوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية.

في الشوارع ظواهر خطيرة تستحق الدراسة والاهتمام الشديد من الدولة لمحاربتها، أو على الأقل التقليل من انتشارها وتفشيها، فمثلا ظاهرة الباعة الجائلين خاصة بائعي الروبابيكيا!.. مسلحين بالحمير والعربات الكارو ومكبرات الصوت (وهذا هو الأهم في الموضوع) مكبرات الصوت المخيفة التي أصبحت جزءا لا يمكن الاستغناء عنه لأي بائع متجول ينادي على أي سلعة (العسل الأسود- البرتقال – البصل والثوم- الملابس- البطاطين....الخ) الميكروفونات بقوة 2000 ميجاوات خارقة لجدران المنازل! 

وأنا هنا لا أتحدث أو أرصد شارعا معينا أو حيا من الأحياء أو مربعا سكنيا معينا، ولكن أتحدث عن ظاهرة تفشت في كل المدن بلا استثناء عاصمة كانت أو مدينة أو قرية، فنحن نعيش عصر الضجيج وقلة السمع التي تزداد نسبتها بين المواطنين كل يوم عن اليوم الآخر، التي تؤدي بدورها إلى الصمم المبكر.. هذا هو التلوث السمعي الذي يجب أن تضعه الدولة نصب عينيها وتكرس له هيئة خاصة من العلماء المتخصصين لإيجاد حلول مباشرة وغير مباشرة بوضع خطط تنفذ على فترات زمنية للتخلص من هذه الظواهر أو الحد منها!

أما عن التلوث البصري، فأعتقد أنه شائع بطريقة مذهلة في كل ما يقع عليه البصر – فلو نظرت حولك من كل الاتجاهات لشعرت فورا بهذا الخلل، انظر إلى الأرصفة فلا تجد مكانا لها بالشوارع، إلا شريط من الكتل الأسمنتية، بعضها يصل علوها خمسون سنتيمترا والبعض الآخر خمسة سنتيمترات (شريط متعرج)، وبذلك لا تسلم الشوارع نفسها من المطبات الاصطناعية والطبيعية التي تشعر بها وأنت داخل مركبة سائرة في أي مكان دون استثناء في مصر بكل أحيائها، إذن أنت تؤذي بصرك، أما الأكثر أذى للبصر الشريط الأخضر الذي يتوسط الشوارع الكبيرة الذي تحول بقدرة قادر إلى شريط من الطين الأسود، عدا شجيرة هنا وهناك، ناهيك عن الأسوار الحديدية.

كل هذا ربما يكون قليلا لو قورن بألوان المباني أو العمارات أو المنازل داخل شارع واحد على بعد النظر من الجانبين – لو دققت لشاهدت مئات الألوان الباهتة والغامقة وغير المتناغمة مع بعضها لدرجة تجعلك تغمض عينيك لعدم قدرتك على استقبال تلك الخيوط الملونة على المرتفعات ثم المنعرجات المنخفضة دون تخطيط، فعندما تنظر إلى بناية (حمراء، صفراء، زرقاء) مكونة من خمسة عشر طابقا – ثم تنعكس الأشعة في نظرك على بيت ملاصق لها من ثلاثة طوابق خضراء اللون – ربما يشعرك ذلك بالغثيان نتيجة لدوران مفاجئ تسببه الفواصل اللونية والمرتفعات والمنخفضات غير المدروسة والعشوائية، وكأنك لا تعيش في المدينة (بالمعنى الدقيق للمدينة أو المدنية) ولكنك تعيش في قرية متطورة إلى حد ما!!

هل هذا فقط ما يسببه التلوث البصري؟! أم يمكننا أن نزيد عليها شدة الأضواء المبهرة التي يخترعها اختراعا أصحاب المحال التجارية أشكالها وألوانها دون ضبط أو ربط.. بل دون رادع من الجهات المسئولة، ملايين الواطات الكهربائية المنبرمة دون فائدة ترجى من ورائها غير التلوث البصري.. كيف وأنت داخل متجر واحد تشاهد أربعة ألوان مختلفة من الضوء وفي مكان آخر ترى الضوء وكأنه الوهج الصارخ الذي لا تستطيع أن تفتح عينيك في مواجهته – وفي مكان ثالث ترى ضوءا باهتا تكاد ترى الأشياء بصعوبة من خلاله.. كل ذلك وفي وقت واحد.. كيف؟.. ولماذا؟.. ومن الذي يسبب كل هذه الفوضى؟!.. هل عدم وجود رقابة أو تشريع يحد من هذه الظواهر العشوائية التي أوصلتنا إلى عصر الغاب، عصر اللا دولة.. عصر اللا قانون...

عصر يفعل فيه الإنسان ما يحب وما لا يحب.. ما يضر أخاه الإنسان بلا مبالاة أو تفكير في أن ما يفعله يزعج جاره أو لا يزعجه، فهذا لا يهم.. المهم ما يعود عليه هو بالمنفعة ضاربا بالآخر وبالقوانين وبالحكومة عرض الحائط؛ لأنه يعلم جيدا ومسبقا أنه لا يوجد ما يخشاه أو من يحاسبه.. فلماذا لا يفعل ما يؤذي الآخرين دون تردد منتهزا فرصة الهوة الكبيرة الكائنة في التسيب الحادث في مؤسسات الدولة وبين الأنانية وحب الذات المؤدي إلى الفساد على المستوى الفردي والجماعي داخل المجتمع!! 

Dr_hamdy@hotmail.com
الجريدة الرسمية