رئيس التحرير
عصام كامل

محاكمات الإيمان (1)


أقتبس عنوان هذا المقال من البحث البالغ الأهمية الذي نشرته في مطبوعاتها "مؤسسة حرية الفكر والتعبير"، الذي يدل عنوانه الفرعي على مضمونه وهو "دراسة في قضايا ازدراء الأديان".

وقد أعد البحث الأستاذ "أحمد عزت"، مدير الوحدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، وأريد أولًا أن أشكر القائمين على المؤسسة لإرسالهم لي مطبوعاتها بشكل منتظم.

والواقع أنني سعيد أن تكون لدينا مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني تتخصص في قضايا حرية الفكر والتعبير؛ لأن هذه الحريات هي صلب أي نظام ديمقراطي حقيقي.

ونعرف جميعًا أن أحد أسباب التخلف في العالم العربي، تقييد حرية التفكير والتعبير سواء لأسباب سياسية تتعلق بسيادة النظم الشمولية والسلطوية في العالم العربي، أو لأسباب دينية، حيث تحاول المؤسسات الدينية المختلفة بتراثها المعروف في المحافظة والتشدد، إغلاق دائرة حرية التفكير وحث الدولة – أيًا كان نظامها السياسي- على تقييد حرية التعبير.

ولو ركزنا الحديث على كتيب "محاكمات الإيمان"، فإننا نجد من المؤلف الأستاذ "أحمد عزت" وضعًا دقيقًا لمشكلة البحث.

وهو يقرر في المقدمة "بوجه عام، تعبير موضوع حرية التعبير الديني من الموضوعات المثيرة للجدل ليس على المستوى المحلي فقط بل على المستوى الدولي، حيث بذلت الجهود الحثيثة من جانب العديد من الدول بهدف تجريم ما يسمى "تشويه صورة الأديان"، وذلك – كما يقول الباحث "تحت مزاعم متعددة مختلفة أهمها التضارب بين حرية النقد اللاذع للأديان والحفاظ على الانسجام الاجتماعي بين الطوائف الدينية المختلفة".

وقد طرح الباحث في المقدمة، الأسئلة الرئيسية التي يثيرها البحث ويحاول الإجابة عنها وهي خمسة أسئلة رئيسية:

السؤال الأول: هل يعتبر انتقاد الأديان جزءًا من حرية التعبير أو تشويهًا لصورة الأديان وعدوانًا على المعتقد محل النقد؟

السؤال الثاني: ما هو تأثير حرية القاضي الجنائي في تكوين عقيدته أثناء نظره قضايا ازدراء الأديان على حرية التعبير عن المعتقد؟

السؤال الثالث: ما مدى الانتقائية في تطبيق قوانين حماية الأديان وما ينطوي عليه ذلك من تمييز عنصري ضد بعض الآراء؟

والسؤال الرابع: هو ما دور المؤسسة الدينية في احتكار التفسير الرسمي لشئون الدين وسلطتها في إبداء الرأي فيما يتعلق بحرية التعبير الديني؟

وأخيرًا: ما هي الحماية الدولية لحرية التعبير عن المعتقد الواردة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والجدل الدائر بشأنها؟

وهذه الأسئلة في الواقع تحيط إحاطة شاملة بمختلف أبعاد هذه القضية المهمة، ويبقى السؤال ما هو المنهج الذي طبقه الباحث للإجابة عن هذه الأسئلة الحاسمة؟

لقد وفق الباحث في اختيار منهج متعدد المداخل.. فقد قام أولًا بتحليل محتوى التشريعات ذات الصلة بحرية التعبير عن المعتقد الديني، وقام ثانيًا بتقديم عدة "دراسات حالة" لقضايا ازدراء الأديان التي نظرتها المحاكم المصرية، وأخيرًا قام بتقديم المعايير المنصوص عليها في القانون الدولي لحقوق الإنسان والجدل الدائر بشأنها، والواقع أن هذا البحث له أهمية قصوى ليس من الناحية النظرية فقط ولكن من الناحية السياسية والاجتماعية والثقافية.

من الناحية النظرية، تبدو الأهمية في إبراز الفروق الضرورية بين حرية التفكير وحرية التعبير.. بعبارة أخرى إذا كان مقبولًا ممارسة حرية التفكير بلا قيود ولا حدود، إلا أن حرية التعبير عن الأفكار لابد أن توضع عليها قيود، نظرًا لأن بعض هذه الأفكار التي تمس الدين بشكل عام قد يؤدي التعبير عنها إلى أحداث عنف أو إلى اضطرابات اجتماعية وصراعات ثقافية، وإذا استبعدنا صور التعبير التي تدعو صراحة للعنف أو تحض عليه لأنها مؤثمة في كل التشريعات الجنائية المعاصرة، فإنه يبقى أمامنا صور التعبير التي لا تدعو للعنف.

والسؤال هنا: هل ينبغي إطلاقها مهما كانت النتائج التي تترتب عليها، أو هناك ضرورة لتقييدها وذلك من أجل الحفاظ على السلم الاجتماعي؟

يقرر الباحث، أن هناك اتجاهين في هذا الصدد:
الاتجاه الأول يؤيد اعتبار نقد الأديان جزءًا من حرية التعبير.
والاتجاه الثاني يرفض اعتبار انتقاد الأديان جزءًا من حرية التعبير.

وتنبغي الإشارة إلى أن هذه الاتجاهات المختلفة لا تعكس وجهات نظر فقهاء القانون فقط بل إن تبني أحدها يمكن أن يؤثر تأثيرًا خطيرًا على السلم الاجتماعي.

ويمكن القول إن بعض النصوص روائية كانت أو فكرية، قد تمثل خطورة إذا اصطدمت بالمشاعر الجماهيرية السائدة، أو اصطدمت بثقافة بعض الجماعات في المجتمع.

ومن هنا ضرورة التعمق في بحث الموضوع، وقد نصل إلى نتيجة مهمة هي أن حرية التفكير إذا كان ينبغي إطلاقها بغير قيود، إلا أن حرية التعبير لابد أن توضع لها قيود، حتى لا تفتح الباب أمام صراعات اجتماعية أو ثقافية بكل ما يتضمنه ذلك من سلبيات على الأداء الاجتماعي.
الجريدة الرسمية