رئيس التحرير
عصام كامل

تفتيت البلدان العربية لمصلحة أمريكا


أصبح من الواضح جدا بعد أن تم الجهر من كل المسئولين بالإدارات الأمريكية، أنه لا توجد إدارة واحدة بالولايات المتحدة تتفرد بالحكم، فهناك سبع مؤسسات حاكمة غير الأشخاص المتفردين بالقرار، وعلى رأسهم الرئيس ونائبه ووزير الدفاع والخارجية والأمن القومي والمخابرات العسكرية، ما أدى إلى التخبط والتناقض الكبيرين في اتخاذ القرار.. فالذي يصدر عن أوباما صباحا يقول عكسه كيري مساءً، وهكذا أصبحنا نفقد المصداقية في كل ما يصدر عن هذه الحكومات المتعددة والأشخاص المتفردين بالقرار.


عندما تعلن واشنطن أنها تعود إلى العراق بحجة محاربة داعش، وهي التي جاءت بها ودربتها على الأراضي العربية ومولتها بالسلاح والأموال ومررتها إلى سوريا من الأردن وتركيا ولبنان منذ 2006، لتحفر الأنفاق وتزودها بكل أنواع الأسلحة الحديثة والمتطورة لتفتيت سوريا وتخريب كل شبر فيها، ونهب وسرقة المصانع والبترول وبيعها إلى حكومة أنقرة بأبخس الأسعار، ثم تمتد إلى العراق وتتمركز في الشمال التي تعده القاعدة الاقتصاية لها وتسيطر على الموصل وتفتك بالملايين من مختلف الأعراق، لتفتتها إلى دويلات ثم تستولي على مقدراته وتأتي بما يزيد على 1500 ضابط وجندي كخبراء لمساعدة القوات العراقية بحجة تدريب القوات المسلحة وقوات الأمن لمواجهة داعش لعلمنا أنه أكذوبة كبرى وسيناريو مكرر.

فلو دققنا النظر في الطلعات الجوية التي تقوم بها قوات الائتلاف في كل من العراق وسوريا لضرب المسلحين في كل من الموصل وأربيل والأنبار وصلاح الدين وكوباني (عين العرب) في سوريا، لوجدنا أن عدد هذه الطلعات التي وصلت حتى الآن 450 طلعة جوية لم تقضِ إلا على مئات من مسلحي هذه الجماعة التي أطلقت عليها واشنطن "الدولة الإسلامية في العراق وسوريا"، في نفس الوقت الذي نجد فيه القوات العراقية قضت على الآلاف من هذه الجماعة منفردة دون الائتلاف الأمريكي الفاقد للمصداقية.

وهكذا في سوريا، نجد كل الطلعات التي قام بها الجيش العربي السوري بعيدا عن هذا الائتلاف قضى على الآلاف من المسلحين وليس ما يعد بالعشرات الذي لا يساوي قيمة هذه الطلعات الجوية التي أصبحت تكلفتها حتى الآن كما أعلنت الإدارة الأمريكية، خلال أربعة أشهر، ستة مليارات دولار حتى هذه اللحظة.

ربما يخرج علينا وزير الحرب المستقيل بقرارات متناقضة تماما مع هذه المعطيات، وربما يعلن لنا الأسباب التي أدت إلى استقالته أو إقالته عكس ما أعلنه أوباما، وربما تكون أقوال كيري غير متوائمة مع كل منهما، نقلت واشنطن بعض القوات الداعشية إلى لبنان، علما بأن النصرة في لبنان منذ سنوات والرئيس اللبناني السابق ورئيس الوزراء وفريق 14 آذار جميعهم على علم تام بذلك، إلا أنهم كانوا وما زالوا يكذبون بأن النصرة ليس لها وجود في أي مكان داخل لبنان حتى بعد أن قامت كل من النصرة وداعش بضرب الجيش وخطف ما يزيد على ثلاثين جنديا ونصب الكمائن لفصائل الجيش.

لذلك فإن فكرة التفتيت والتجزيء تنتقل من بلد إلى آخر، لقد تمت بمقدرة فائقة في ليبيا واليمن، واليوم نرى الجنوب يطالب بالانفصال عن الشمال متيمنا بالسودان الذي تم فصل جنوبه عن شماله والباقية تأتي، فهناك ثلاث ولايات ترغب في الانفصال بعدما حدث ذلك في الجنوب، وهكذا إلى أن وصلت العدوى إلى مصر، فلقد جاءوا ببعض الجماعات منها القاعدة وبيت المقدس وغيرهما، ثم عادت هذه الجماعات وأعلنت ولاءها لداعش، ولو سألنا ماذا تريد الولايات المتحدة من مصر؟ سيكون الرد هو عكس ما بداخلها.

هي تظهر أنها تريد لمصر الديمقراطية وتحقيق الحرية والعدالة والتخلص من الحكم الذي تصفه بالديكتاتوري، كما تظهر أنها تخشى على مصر من التفكك أو التجزئة أو إشاعة الفوضى، وكل ما تريده لمصر هو النهوض والتخلص من التبعية وبناء النهضة والتنمية السريعة وزيادة رقعة الأرض والاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية، ولكن في الحقيقة هي تريد عكس ذلك تماما فهي ترغب في إضعاف الدولة المصرية والقوات المسلحة، وبذلك تكون الولايات المتحدة قد حققت الأمن والاستقرار للكيان الإسرائيلي، وتخلصت من المشكلة الأزلية بين العرب وإسرائيل.

لقد استطاعت من قبل، إقناع السادات بالتوقيع على الاتفاقية المشئومة بين مصر وإسرائيل "كامب ديفيد" التي أدت إلى خراب مصر وفقدان قوتها الناعمة على مدى هذه السنوات العجاف إبان فترة حكمه هو وخليفته من بعده، ستتفرد واشنطن إذا استطاعت تحقيق هذا بالسياسة والدهاء، أو بالحرب إذا اضطرت لذلك، هي لا تريد خيرا لأي من بلدان الشرق الأوسط، كل ما تريده هو تحقيق خارطة الشرق الأوسط الجديد حيث لا وجود فيه لدول بعينها، منها دول عربية وخليجية لم يأتِ الدور للقضاء عليها حتى الآن، لذلك هي آخذة في تفكيك كل الدول العربية بلا استثناء وحرقها بهذه الجماعات التكفيرية التي كونتها من 48 دولة شمالية وجنوبية من آسيا وأفريقية وأوربا، أما ما يخص أفريقيا السوداء فهي واضعة في اعتبارها القضاء عليها بالأوبئة الفتاكة، قبل ذلك نشرت فيها الإيدز واليوم أتت بما هو أخطر منه وهو مرض الإيبولا.

إن الولايات المتحددة تتعلل بأن المجتمعات العربية مجتمعات سلطوية وليست مجتمعات تحررية، مجتمعات ضبط اجتماعي وليست حراكا اجتماعيا، ويبقى العيب فينا لأننا تصورنا أن الزمن قد توقف، وأن التاريخ أبدى فحولنا الأعراف إلى شرائع والتقاليد إلى سنن وعوضنا إحساسنا بالعجز والتفنن في تعظيم القدماء وتقديس الشريعة، لذلك كانت الثنائية أو الازدواجية التي تعمل بها واشنطن مثلها مثل العلاقة بين الرجل والمرأة، فالقهر الذي يمارسه الرجل على المرأة مثله مثل القهر الذي تمارسه الإدارات الأمريكية على دول العالم النامي والثالث، فهو الرجل الذي لا يقهر ولكنه الرجل الذي يسلب وينهب الضعفاء والأغبياء بالضرورة.

Dr_hamdy@hotmail.com
الجريدة الرسمية