رئيس التحرير
عصام كامل

الدستور الجديد تجاهل المعاهدات الدولية


1- تنص المادة الثانية من الدستور على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.
 على أن الجمعية التأسيسية التى وضعت الدستور المصرى الجديد لم تكتف بذلك مع الأسف الشديد، وإنما راحت تحدد نطاق تطبيق النص فى مادة أخرى فى باب الأحكام الانتقالية الختامية بالمادة ٢١٩ التى تنص على توسيع نطاق تطبيق المقصود بالمبادئ العامة للشريعة إلى حد إدراج القواعد الفقهية ومصادرها فى مذاهب أهل السنة والجماعة وهو الفقه الإسلامى القديم الذى خرج علينا منذ أكثر من عشرة قرون ولا علاقه له البتة بروح العصر الحالى، وهو ما يسمح بإعداد مشروعات قوانين بإلغاء نصوص تشريعية قائمة تحدد الحد الأدنى للزواج بـ18 عاما.

فالمشكلة ليست فقط فى الاختيار بين كلمتى "مبادئ" و"أحكام" الشريعة الإسلامية التى تشمل الفقه بوجه عام، ولكن المشكلة هى فى تحديد مدلول القواعد الفقهية والمذاهب التى يشير لها نص المادة ٢٢١ كمصدر للتشريع.
إن ضرورة هذا التحديد باعثها هو مقتضيات الصياغة التشريعية والدستورية وآثار الصياغة المعيبة على نطاق تطبيق النص، وذلك حتى يعرف المخاطبون بأحكام الدستور من سلطات عامة وأفراد مجال تطبيق المادة ونطاق أعمالها على وجه دقيق، وهو ما يمثل ضمانه هامة ضد التعسف أو التضارب فى التفسير.
2- إن الدستور فى كثير من الدول - إلا مصر- يفرض على المشرع احترام مبدأ "الأمان القانونى"- "la sécurité juridique"- ومقتضى هذا المبدأ أن تعبر النصوص الدستورية عن قواعد معيارية شارعة محددة الدلالة ولها من الشفافية وإمكانية الإدراك ما يحقق الأمان القانونى للأشخاص الذين تطبق عليهم هذه النصوص، وشاهد مشهود تعتبر المحاكم الدستورية أن الأمان القانونى هو التزام بتحديد الألفاظ والمضامين والمقتضيات التى يحيل لها نص الدستور، وتبعا فالتعبيرات المطاطة التى لا تعبر عن أى قاعدة معيارية محددة الدلالة مباشرة هو من عيوب التشريع التى تفضى إلى عدم دستوريته.
٣- خلا الدستور الجديد من آليات تسمح بتطيبق المعاهدات الدولية بواسطة القاضى الوطنى وكان يجب إعطاء الأفراد ضمانات فعالة للحريات العامة تكفل أن تتمتع المعاهدات الدولية - ولاسيما الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان - بقوة قانونية تعلو على التشريع شريطة أن يتم التصديق عليها لتندرج فى النظام القانونى، والوضع الحالى فى الدستور الجديد هو الآتى: لا يجوز للقضاء المصرى حاليا أن يوقف تطبيق نص تشريعى مخالف لاتفاقية دولية حتى إذا ما تراءى للقاضى أن التشريع واجب التطبيق مخالف لمبادئ الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها فى المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والمدرجة فى النظام القانونى المصرى بالتصديق عليها.
٤-على أن إدراج هذه الآلية فى الدستور الجديد كان يحتم إدراج نص دستورى يحدد القيمة القانونية للمعاهدات ويمنح للقاضى آلية اللجوء إليها كمصدر من مصادر مشروعية الأعمال الإدارية وكقاعدة مرجعية لسلامة التشريعات فى مجالات الحريات العامة. لأنه وفقا للنظام القانونى المصرى لا يستبعد القاضى الوطنى التشريع الداخلى ولو كان مخالفا لمعاهدة دولية، لذا كان دور الجمعية التأسيسية المأمول هو إدراج نص يحدد القوة القانونية للمعاهدات حتى تتقرر لأول مرة فى النظام الدستورى المصرى الرقابة على موافقة التشريع للمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ولكن مع الأسف لن يستفيد المواطن من الحقوق التى تكفلها له المعاهدات الدولية التى صدقت عليها مصر كحرية العقيدة والرأى والصحافة والمساواة بين الرجل والمرأة لانعدام الآلية الدستورية التى تسمح له بهذه الاستفادة.
إن محك المرحلة الجديدة فى مصر ومعيارها هو ما يتضمنه الدستور من قواعد وآليات لضمان وتفعيل الحريات والحقوق، لأن المرور من نظام دستورى إلى نظام دستورى جديد يتوقف على مساحة الحريات التى تمارس على أرض الواقع والطرائق الحمائية الجديدة والفعالة لكفالة الحريات العامة بتوسيع اختصاصات القضاء الدستورى وبإعطاء القضاء سلطة مراقبة موافقة التشريع للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان المقررة فى المعاهدات الدولية التى صدقت مصر عليها وهو ما لم يتحقق فى هذا الدستور.
٥ -الدستور الجديد يعطى الرئيس حق اختيار وتعيين رؤساء الجهات التى تراقبه وتراقب السلطة التنفيذية، وهو مناهض تماما لمبدأ الفصل بين السلطات ويلقى شبهة الفساد على الأداء الحكومى للسلطة التنفيذية التى تختار فى أعلى وظائف الدولة من جماعة الإخوان المسلمين، كما يعطيه الدستور أيضا الحق فى اختيار وتعيين أعضاء ورؤساء الجهات القضائية العليا وهو تهديد لاستقلال القضاء، وتضمن الدستور نصا انتقاليا انتقاميا يؤدى إلى تخفيض عدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا وعزل القضاة الحاليين بالمحكمة الدستورية ولأول مرة فى تاريخ وضع الدساتير بنص دستورى، بما أدى إلى انتهاك مبدأ استقلال القضاء لأنه أفضى إلى عزل بعض القضاة من المحكمة الذين لا ينتمون لذات التيار السياسى للحزب الحاكم.
٦- تضمن الدستور فى المادة ٨١ فقرة ٣ نصا صريحا عاما مقيدا لكل الحقوق والحريات اللصيقة بالإنسان ومفاده أن تمارس كل الحقوق والحريات فى حدود القيم الأساسية الواردة فى الباب الأول من الدستور بما فى ذلك أحكام الفقه الإسلامى القديم وهو قيد شديد الخطورة على الحريات العامة فى العصر الحديث.
٧. تضمن الدستور فى النهاية نصا بإنشاء مجلس للرقابة على الصحفيين وممارساتهم، ما يناهض تماما مبدأ استقلال الصحفيين وحرية الصحافة والإعلام بل وحق المواطن فى تلقى المعلومات المتنوعه وبصراحة وشفافية وبلا انتقاص.
والذى يخشى منه هو تهديد حرية الرأى والنشر والإذاعة، حيث يمكن وفقا للمناخ السياسى الحالى أن يقوم المجلس بالقصاص من كل إعلامى يقوم بانتقاد ممارسات الحكومة أو أحزاب دينية أخرى بدعوى تصور مغلوط عن الأخلاقيات الدينية. والنص على ذلك فى صريح نص الدستور الجديد من شأنه أن يجعل من هذا المجلس مجلس رقابة على الصحفيين بصوره غير مباشرة.
فى النهاية نرى أن هذه وثيقة لا تليق بمصر الحديثة ولا بثورتها وتخالف كلية وتفصيلا التزامات مصر الدولية فى مجال حقوق الإنسان.
الجريدة الرسمية