رئيس التحرير
عصام كامل

التجديد المؤسسي والرؤية الاستراتيجية


تنتقل مصر في ظل رئاسة الرئيس "عبد الفتاح السيسي" إلى مرحلة تاريخية جديدة؛ تتمثل في إعادة بناء مؤسسات الدولة التي ترهلت إلى حد كبير في ظل النظام السابق من ناحية، وبداية صياغة رؤية استراتيجية لمصر من ناحية أخرى. ولعل أبرز ملامح التجديد المؤسسى هي القرارات التي أصدرها رئيس الجمهورية بتشكيل عدد من المجالس الاستشارية، أبرزها المجلس الاستشارى لعلماء مصر الذي يضم قامات علمية رفيعة من العلماء المصريين سواء منهم المقيمون في مصر أو في الخارج.


كما أصدر الرئيس "السيسي" قرارًا بتشكيل مجلسين متخصصين للتعليم والتنمية المجتمعية، وذلك بالإضافة إلى مجلس الأمن القومى المصرى. واستكمل الرئيس عملية التجديد المؤسسى بتعيين مستشارين هما اللواء/ أحمد جمال الدين مستشارًا لرئيس الجمهورية للشئون الأمنية ومكافحة الإرهاب، وهو وزير الداخلية السابق المشهود له بالكفاءة، والسيدة "فايزة أبو النجا" مستشارة للرئيس لشئون الأمن القومى وهى وزيرة التعاون الدولى السابقة والتي كانت سفيرة مرموقة بوزارة الخارجية وشغلت مناصب بالغة الأهمية.

ودلالة ذلك أن عملية صنع القرار على المستوى الرئاسى ستتم على أعلى مستوى علمى ومهنى ومعنى ذلك التطوير الجذرى لممارسة السلطة في مصر، على أساس من العلم والمهنية، مما من شأنه أن يرفع مستوى أداء الدولة.

ونريد أن نقف قليلًا عند التغير الجوهرى في عملية صنع القرار التي ستترتب على تشكيل المجالس الاستشارية التي أشرنا إليها.
ولو أردنا أن نبرز الأهمية الكبرى لهذه القرارات وانعكاساتها الإيجابية على أداء الدولة، فلابد أن نطبق المنهج التاريخى على المراحل المختلفة التي مر بها النظام السياسي المصرى. ونستطيع أن نبدأ بالمرحلة الليبرالية التي بدأت منذ إصدار دستور عام 1923 وانتهت بقيام ثورة 23 يوليو 1952.

كان النظام السياسي في هذه المرحلة ملكيًا دستوريًا، بمعنى أن الملك يملك ولا يحكم، وكانت مهمة الحكم في يد الوزارة التي تتشكل وفقًا لمن حصل من الأحزاب على الأغلبية من ناحية، والمجالس البرلمانية من ناحية أخرى وهى مجلسا النواب والشيوخ.
ولا يمكن فهم عملية صنع القرار في المرحلة الليبرالية بغير تحليل طبقى يبرز تشكل المجتمع المصرى من طبقة أرستقراطية برجوازية قليلة العدد، تتمثل في كبار ملاك الأراضى وطبقة وسطى ناشئة تتكون من خريجى المدارس والجامعات والموظفين وأصحاب المهن الحرة، وطبقة دنيا تتكون من الفقراء والمعدمين في الريف والحضر.

وفى ضوء هذا التحليل الطبقى تقيم عملية صنع القرار التي كان يتحكم فيها طبقة كبار ملاك الأراضى.. والدليل على ذلك أنه قدمت لمجلس النواب والشيوخ ثلاثة مشروعات للإصلاح الزراعى وهى مشروع "إبراهيم شكرى"، ومشروع خطاب، ومشروع جماعة النهضة القومية قدمه باسمها الدكتور "إبراهيم بيومى مدكور"، ورفضت جميعًا لأن القوى السياسية التي كانت مسيطرة على المجالس البرلمانية تتمثل في كبار الملاك الذين قاوموا بضراوة تحديد ملكياتهم.

ولم تتحرر عملية صنع القرار من تأثير الإقطاع والنفوذ البرجوازى إلا بقيام ثورة يوليو 1952.حررت هذه الثورة المجيدة عملية صنع القرار من تأثير المال والنفوذ لأن مشروعها كان هو تحقيق العدالة الاجتماعية، وتحرير الفلاحين والعمال من القيود التي فرضت عليهم، وكذلك الطبقة الوسطى.

ولذلك صدر أول قانون للإصلاح الزراعى بعد ست أسابيع فقط من قيام الثورة، وتوالت بعد ذلك القوانين التي رفعت شأن الطبقة العاملة، وحررتها من الظلم الذي أوقعه بها النظام الملكى السابق.

ولكن هناك تغيرات كبرى حدثت بعد تولى الرئيس "أنور السادات" الحكم.. فقد أراد أن يمحو أثر القرارات الاشتراكية، وأن يطبق أساليب التنمية الرأسمالية، ولذلك بادر بتقرير سياسة الانفتاح الذي بدأ بصورة فوضوية أدت إلى إثراء القلة على حساب الكثرة، ما أدى إضاعة المكاسب التي حصل عليها الفلاحون والعمال، وبدأت في نفس الوقت عملية تدهور الأوضاع الاجتماعية للطبقة الوسطى. وهكذا أصبحت عملية صنع القرار موجهة لصالح القوى الرأسمالية الناشئة على حساب طبقات الشعب العريضة.

وحين قام الرئيس "حسنى مبارك" إلى الحكم عمق من هذا الاتجاه وقرر تصفية القطاع العام نهائيًا الذي بيعت وحداته بثمن بخس للمستثمرين، سواء كانوا مصريين أو أجانب، مما جعل عملية صنع القرار تستخدم أساسًا لإثراء طبقة رجال الأعمال الذين نهبوا أراضى الدولة واستولوا على آلاف الفدادين بزعم استخدامها في الزراعة ولكنهم حولوها لتصبح مبانى، وكسبوا المليارات دون أن يدفعوا حق الدولة التي تحاول اليوم في ظل رئاسة "السيسي" تصحيح أوضاعهم الخاطئة وإجبارهم على سداد الضرائب المستحقة.

لكل ذلك نقول إن عملية التجديد المؤسسى التي قام بها الرئيس "السيسي" سيكون لها أكبر الأثر في رشد وعقلانية وعدالة عملية صنع القرار، مما سيكفل أن تعود ثمار التنمية على جموع الشعب العاملة.

الجريدة الرسمية