رئيس التحرير
عصام كامل

توقفوا عن التبرير يرحمكم الله !!


استراتيجية جديدة لمواجهة حوادث الطرق.. لجان مرورية على الطرق السريعة للكشف على السائقين وإجراء تحاليل المسكرات والمخدرات.. تغليظ العقوبات في مخالفات المرور.. إحالة مدير مدرسة للتحقيق ونقله لوظيفة إدارية.. لجنة لفحص المدارس الآيلة للسقوط..مراجعة أعمال الصيانة في المدارس..وزير التعليم يناقش الاستراتيجية الجديدة للتعليم..إحالة متعهد أغذية إلى النيابة بسبب تسمم أطفال مدرسة (..).. مراجعة العقارات الآيلة للسقوط في منطقة(..) خطة عاجلة لتطوير مزلقانات السكة الحديد.. أسبوع للنظافة في محافظة القاهرة..تطوير محور مصطفى النحاس في مدينة نصر بتكلفة 60 مليون جنيه.. محافظ القاهرة يزور مصابي منزل المطرية المنهار..خطة لرفع السيارات القديمة من شوارع العاصمة ونقلها إلى جراج كبير على حساب أصحابها بعد إنذارهم بالتصرف فيها !!

هذه بعض تصريحات المسئولين في حكومتنا الرشيدة بعد كل حادث يقع أو مصيبة تحدث، لكن سرعان ما تهدأ الدنيا فتعود سيرتها الأولى، وينشغل الناس بلقمة العيش والسعي في الحياة تحت معاول الخطر وتوقعات الموت في كل لحظة، وما باليد حيلة.. تسير الحياة رغما عن الجميع وينسي الناس ما كان بالأمس القريب..بل ما كان منذ ساعات قليلة مضت حيث يتحول الضحايا على الأسفلت أو تحت الأنقاض أو في أتون حريق قطار أو في لهيب انفجار جبان إلى مجرد رقم وصورة ملونة بلون الدم !!، وسبحان من يودع في قلوبنا الصبر ويعيننا على مواصلة الحياة.

فجأة يقع حادث جديد –أي حادث– تزهق فيه الأرواح وتتجدد منه الجراح، فتنطلق من منصة التبريرات الكلمات والتعبيرات ونفس التوصيات وكأن حادث الأمس لم يراوح مكانه، ولم تفارقنا صورته وآلامه..وأن الذي تغير فقط هو أسماء القتلى وعددهم وملابسهم..المسئولون من رئيس الوزراء والوزراء والمحافظون ورؤساء الأحياء يهرولون إلى موقع الحادث أو الكارثة ليقولوا نفس التصريحات أمام كاميرات الفضائيات، وبعد قليل تنصرف وينصرف المسئولون ويتركون الألم والمعاناة لأصحابه في موقع الحادث !!

زهقنا وقرفنا وفاض بنا الكيل.. ومع ذلك هناك إصرار غبي على اختراع العجلة والبحث عن تبريرات عبيطة والاستمرار في معالجة العرض وترك المرض، فلم نعد نري كيف عالج غيرنا مثل هذه الكوارث وخرجوا من دائرتها الجهنمية، ويبدو أننا نعتقد أن العيب أن ننقل تجربة ناجحة من أي مكان في العالم في حين نري بأم أعيننا أن دولا تصدرت العالم اقتصاديا وغزت أسواقه قامت على فكرة النقل ووضعت بصمتها على ما تقدم للعالم ولم تجهد نفسها أو تهدر طاقاتها وأموالها في اختراع عجلة جديدة مربعة ومستطيلة كما نريد نحن !!

دول العالم التي تريد الانطلاق تدرك جيدا أن الكثير من مشاكلها أصبح لها حلول، وجانب كبير من مشاكلنا لا يحتاج عبقرية أو أموالا طائلة ليست تحت أيدينا..فمثلا تفعيل الرقابة على كل الأعمال لا يحتاج أموالا.. مواجهة الإهمال بالعقاب الرادع لا يحتاج ميزانيات إضافية.. تنفيذ القانون على الجميع يحتاج فقط الشفافية ولا يحتاج التردد أو الخوف..مواجهة فساد المحليات وصغار الموظفين لا يحتاج غير إقالة المسئول الكبير لإهماله في متابعة مرءوسيه ورفت الموظف الفاسد من عمله !!

إذا قررنا تنفيذ القانون وجربنا مرة إقالة مسئول كبير مهما كانت درجته لأنه مسئول عن كارثة أو حادث وقع في دائرة اختصاصه، وجربنا حبس أو سجن موظف أهمل في أداء عمله وتسبب بإهماله في ضياع حق مواطن أو حق الدولة، وجربنا سجن سائق متهور عرض أرواح الناس للخطر ووضعهم في دائرة الموت، وجربنا مصادرة ميكروباص تصور سائقه أو صاحبه أنه امتلك الطريق لحسابه، ولو جربنا معاقبة مواطن وهو يلقي بالقمامة في الشارع أو يضع أكياس القمامة بجوار صندوق القمامة في الطريق، ولو جربنا معاقبة زبال يخرج القمامة من الصندوق ليبعثرها في الشارع بحثا عن غايته منها ويتركها للسيارات تنشرها في الطريق.. لو جربنا كل هذا ولو مرة واحدة سيتحقق الردع ويلتزم الجميع، ويتوقف التبرير العبيط لكل الأخطاء والخطايا التي نرتكبها وترتكبها الحكومة، وحتى يتوقف التبرير ستجري الدماء على الأسفلت وتنهار العقارات على رءوس ساكنيها !! توقفوا عن التبرير يرحمكم الله. 

الجريدة الرسمية