رئيس التحرير
عصام كامل

قارئ العداد وقارئ الفنجان


لا يدخل بيوتنا بسهولة هذه الأيام التي لا يثق فيه أحد بالآخر، إلا كشاف الكهرباء والمكوجي ومندوب الصيدلية، يسلم دواء أو يضرب فينا حقنة، ومحصل الكهرباء، والغاز، وكلهم يقفون بالباب، ونضطر الآن إلى إغلاق الباب بإحكام خوفا من أولاد الحرام وتحريض الشيطان!


للأسف، لا يمكننا غلق الباب دون قارئ العداد، ولكن بوسعك غلقه في وجه المحصل، حتى تأتيه بالمبلغ الخرافي المطلوب، وهذا لو جاء المحصل أصلا. وقبل يومين، ظهر المحصل، وطلب ثمانمائة جنيه، وكنت سددت قبلها أربعة آلاف متراكمة، ولما جاملني وتعاطف معي، ألقي بنظرة على العداد، وتحسرت نظراته، وأبدي إشفاقا على، وهو يقول لي "شوف يا حاج، الظاهر إن الأخ القارئ ظلمك، وخد قراية مستعجلة"، قلت: له، بل وهمية، قال لي: بختك، معلش. تتعوض، المرة القادمة خليه يزود وينقص ويزود" ولما رآني حمارا مش فاهم، وأوشك على الصراخ، بادرني بعدم طلب تغيير العداد الحالي التقليدي لأنه نعمة وبركة من السماء، وحذرني من الآلي الرقمي لماذا ؟ وضع المحصل كفه على فمه ونفخ هواء سريعا قويا، ترجمه لاحقا بقوله إوعي دا بيسف الكيلوات في ثوان!

نحن إذن أمام محصل وهمي، سمح لنفسه أن يفتري على خلق الله، وأن يفبرك استهلاكا، ليته فبركه بالناقص، بل فبركه بالزائد، ومن الواضح أن الزيادة تعني تحصيلا أعلى ونسبة له ولمن حصل منا أموالا محرمة، والحق أن لي تجربة سابقة مخجلة مع محصلين في كهرباء المعادي، جاءوا بعد محصل محترم، اسمه الأستاذ محمد، حاز ثقة سكان المعادي الجديدة، واحترامهم لأدبه وضميره، وقد علمت أنه رقي في عمله، وأعود للتجربة المقرفة، حين ساومني محصل مجهول، على دفع خمسين في المائة فقط من الأربعة الآف التي كانت متراكمة، بفعل غياب القارئ والمحصل، والنقود، وبفعل حضور الفوضي والخراب والنوشتاء وحملة أسطوانة يسقط يسقط، ويومها فزعت، وقلت له: وكيف سأحصل على الإيصالات،لأجاريه، فقال اطمن يا باشا !
قلت اعلم أنك تتكلم مع صحفي، فأسرع مصححا، هتاخد حقك والدولة تاخد حقها !

هناك بالتأكيد خلل في الضمير، وفي الإدارة، وأتمني من وزير الكهرباء أن يضاعف الرقابة على من يخربون جيوب الناس بالمبالغة في القراءة أو الغياب عن القراءة، وبالمحصلين الذين يظهرون كلما تيسر.. قارئة الفنجان صارت في الحقيقة أصدق من قارئ العداد.
أبعد ذلك تتساءلون عن سرقات التيار ؟
الجريدة الرسمية