رئيس التحرير
عصام كامل

الفلاح الفصيح في محكمة الجنايات

إيمان حكيم
إيمان حكيم

لا يضيع حق وراءه مطالب، حكمة تعلمناها جميعًا على مر العصور والأزمنة في ظل معاناة المصريين من ظلم حكامهم واغتصابهم لحقهم المشروع في العيش والحرية والكرامة الإنسانية.


وتباينت أنواع هذا الظلم من عصر إلى عصر ومن حقبة إلى حقبة لكنها اشتركت جميعًا في حقيقة واحدة أن الحق مهما كان عزيزًا وغاليًا لا يضيع أبدًا مادام صاحبه متمسكًا به ويبذل من أجل استرداده روحه ودمه.

واشتهر المصري في كل الأجيال القديم منها والحديث بإصراره الشديد وعزيمته القوية وإرادته الفولاذية في استرداد حقوقه المنهوبة والمسلوبة؛ المادي منها والمعنوي سواء من العدو الداخلي أو عدو خارجي طامعًا في حدوده وأراضيه.

ففى مصر الفرعونية القديمة على سبيل المثال احتفظ لنا التاريخ بنموذج لهذا الإصرار في تحفة أدبية ثمينة هي قصة "الفلاح الفصيح" التي تعتبر بحق مثلًا يحتذى به في استرداد الحق بمنتهى الرقى والتحضر، وهي تحكى باختصار عن فلاح مصري بسيط من إقليم وادي النطرون كان يقود قطيعًا من الحمير محملًاً بالحاصلات الزراعية لبيعها في السوق وكان لابد له من المرور على حقل موظف فاسد يعمل لدى الوزير الأول للفرعون وقد طمع هذا الموظف الفاسد في قافلة الفلاح البسيط فدبر خطة للاستيلاء عليها فقام بوضع صناديق من الكتان أمام القافلة ليمنعها من المرور فاضطر الفلاح للنزول إلى حقل يملكه هذا الموظف لمواصلة سير القافلة فقامت الحمير بالتهام بعض سنابل القمح من حقل هذا الموظف الذي وجدها فرصة للاستيلاء على القافلة والقبض على الفلاح واغتصاب أملاكه.

ذهب الفلاح للوزير الذي يعمل عنده هذا الموظف ويدعى "رنزى" وكان مشهورًا بعدله وصلاحه ولكن أصحاب الموظف الفاسد حرضوه ضد الفلاح البسيط الذي لم يكل ولا يمل من أجل استرداد قافلته وبدأ نضاله وكفاحه، لإعادة حقه المسلوب بطريقة راقية ومتحضرة وهى عبارة عن مجموعة من الخطب والشكايات، يتحدث فيها بفصاحة وبلاغة شديدة إلى الوزير "رنزى" طالبًا منه رفع هذا الظلم عنه الذي وقع عليه من موظفه الفاسد وأن يقيم العدل ويرد له حقه وقد أعجب الوزير بفصاحة الفلاح ولباقته وعرض الشكايات والتدوينات التي كتبها على الفرعون الذي انبهر بفصاحته وقدرته على الارتجال في عرض قضيته وأمر بتدوين كل أقوال الفلاح وشكاياته للاستفادة منها كما أمر بالتحقيق في القضية ومعاقبة الموظف الفاسد وإعادة قافلة الفلاح ومحاصيله بل وزاد عليها بضم الضيعة كلها له.

تذكرت هذه القصة الأيام الماضية ونحن نتطلع جميعًا إلى محكمة الجنايات التي تنظر قضايا التخابر المتهم فيها الرئيس السابق محمد مرسي و35 متهمًا آخرين من أعضاء تنظيم الإخوان رأيت نموذجًا للفلاح الفصيح في صورة شاب في مقتبل العمر وهو المستشار "تامر الفرجانى" المحامى الأول للنيابات وممثل النيابة العامة وهو يحذو حذو جده الفلاح الفصيح ويقدم شكايات ومرافعات جيل بأكمله إلى هيئة المحكمة ضد فصيل سياسي وجماعة خائنة تسترت بالدين وأوصلت مندوبا لها إلى سدة الحكم وأقصد به الرئيس السابق محمد مرسي الذي فضل مصلحة جماعته وتنظيمه اللذين يعملان ضد مصلحة الوطن منذ منتصف القرن الماضي وخان القسم الذي أقسمه عند حلف اليمين بالحفاظ على أمن الوطن وسلامة أراضيه وتخابر مع جهات أجنبية ضد وطنه بل كان يخطط لتقسيم أراضيه هو وأعوانه حتى قبل توليه السلطة بأعوام كثيرة ومشوا على خطى أسلافهم في القتل والتفجير والاغتيالات للوصول إلى أهدافهم وطالب المستشار الجليل هيئة المحكمة الموقرة بإنزال أقصى العقوبة على كل من خان وباع وخطط ودبر وتخابر وفرط في أمن الوطن وسلامة أراضيه وفى حقوق مواطنيه.

وفى النهاية أجد نفسى منساقة لهذه المقارنة الحتمية بين نموذج الفلاح الفصيح في مصر الفرعونية ونظيره الآن ذلك المستشار الجليل وزملائه من النيابة العامة في قضية التخابر الإخوانية فما أحوجنا هذه الأيام إلى هذا النموذج من الإصرار على استرداد حقوق الوطن المادية والمعنوية وبحقوق دماء الشهداء التي سفكت بدون تدمير أو تخريب أو أفورة في التعبير عن الظلم وليكن لسان هذا المستشار الجليل وشكاياته ومرافعاته هي لسان حال المصريين جميعًا في تبديد حيرتهم وفتح طاقات نور أمامهم من أجل محاكمات عادلة لاسترداد حقوق منهوبة وثورة مسلوبة ودماء مسفوكة وسيسجل التاريخ لهذا المستشار الشاب مدى رقيه وتحضره وفصاحته الشديدة في عرض قضية وطن وتوصيل شكايات أمة بأكملها والمطالبة باسترداد الحقوق وعقاب العملاء والخائنين وإقامة دولة العدل كما فعلها في الزمن القديم مع جده الفلاح الفصيح.
الجريدة الرسمية