رئيس التحرير
عصام كامل

الأزهر وصناعة الإرهاب


لا شك أن للأزهر - كجامع وجامعة - مكانة عظيمة لدى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها باعتباره رمزًا للإسلام الوسطي ومنارة للعلم ومنبرًا للفكر ومنبعًا لعلوم الدين وملاذًا يلجأ إليه الناس وقت الأزمات والضيق فمنه كانت تخرج المظاهرات ضد المستعمرين والطغاة ومنه استمد المسلمون القوة في مواجهة الشدائد والمحن، الأزهر حمل مشعل التنوير في العالم الإسلامي ولم يوصد بابه يومًا في وجه طلاب العلم واستضاف في رحابه الراغبين بدراسة فقه الدين والعلوم الشرعية والدنيوية من كل حدب وصوب وتكفل بكافة احتياجاتهم المادية.


وكان للأزهر دور بارز في لم شمل المسلمين وتبديد غيوم الطائفية والحفاظ على المذهب السني لسنوات طويلة إلا أنه على مدى الثلاثة عقود الأخيرة ضرب الوهن أركانه ووقع بين سندان الجماعة الإخوانية والتخاريف الوهابية فأصبح الأزهر مفرخة لأشخاص غير أسوياء يتخذون من الغلو والتشدد ومعاداة السلطة وترهيب المجتمع منهجًا وتحول الطلاب داخل الحرم الجامعي إلى بلطجية وشبيحة يسعون إلى الهدم والتدمير ونشر الفوضى وإفساد البلاد واستهداف قوات الأمن وتخريب المنشآت.

المؤسسة الأزهرية بحاجة إلى إعادة هيكلة للجهاز الإداري وهيئات التدريس الجامعي وما قبل الجامعي وللقوانين واللوائح المنظمة للعمل ومراجعة المناهج التي عفا عليها الزمن والتي كانت سببًا في تربية وجدان الكثير من الطلاب وترسيخ قناعاتهم على التطرف وبرمجة سلوكياتهم على التعصب إلى حد تفخيخ أفكارهم بالكثير من المعلومات المغلوطة المستمدة من مراجع ومذاهب موضوعة لا تمت لجوهر الإسلام بصلة ولم تعد تناسب متطلبات المسلم المعاصر بعد أن جعلت منه آلة يحفظ ويردد ما قاله أئمة منذ 14 قرنا دون أن يكون له الحق في إعمال عقله والتفكير والتدبر فيما قاله هؤلاء الأئمة.

ماذا ينتظر فضيلة الأمام الأكبر حتى يتخذ خطوات فاعلة على طريق إصلاح الأزهر واستقلاله وتطهيره من قوى الشر التي عششت داخله ومارست كافة أشكال الموبقات في حق الدين مستغلة العباءة الأزهرية؟ متى سنرى يا شيخنا الجليل، مناهج تلائم الواقع وتساهم في إعداد دعاة وشيوخ يساهمون في نشر الإسلام الوسطي بعيدًا عن الخزعبلات التي تشوه الإسلام؟ ألم يحن الوقت لتُعيد للأزهر قوته وشموخه وتأخذ بيده إلى أن يحتل نفس المكانة التي كانت له في الماضي، وتطلق قناة تجابه فتاوى بير السلم وتصحح المفاهيم وتهتم بالقضايا الحقيقية التي تتعلق بالأمور الحياتية للمسلم ؟

ينبغي على الأزهر أن يكون له دور فاعل في الأحداث ومواقف واضحة وصريحة من الحركات والجماعات التي تستغل الدين في النصب على عقول العامة والتغرير بهم للوصول إلى أغراض سياسية، فكم يزعجني - وأظن أنه يزعج الملايين مثلي - صمت فضيلة شيخ الأزهر وبطء تصريحاته وعدم اتخاذه إجراءات لردع شيوخ الفضائيات ومرتزقة الدين ووضعهم في أحجامهم الحقيقية.
الصمت لا يزيد الأزهر إلا ضعفًا ويشجع ذوي الفكر المتشدد على تدعيم موقفهم ونشر منهجهم، نتمنى أن يستفيق الأزهر والقائمون عليه فلم يعد هناك وقت للتراخي في القيام بالواجبات خاصة في ظل ما يواجهه العالم الإسلامي من تحديات وسيطرة الفكر الداعشي على الكثير من الشباب المسلم الذي لا يجد مؤسسة دينية تعصمه من الوقوع في شراك التطرف والإرهاب.
الجريدة الرسمية